الغرائب. ولا اعلم كيف استدرجوا إلى هذه الغلط الفاضح اللهم إلا أن يكونوا قد أبدلوها من (الأصيل) وذلك أنهم أبدلوا الألف المهموزة عيناً على لغة قيس وتميم وأسد وكلاب وقضاعة، فقالوا: العصيل) وأبدلوا اللام راء على لغة بعضهم فقالوا: العصير ولما كان العصير والعصارة بمعنى واحد قالوا فيها لعصارة ثم عاملوا الهاء في الآخر معاملة الألف كما في العرضنة والعرضني والرعامة والرعامي والقصيرة (مصغرة) والقصيري وقد فعلوا ذلك لأن الهاء والألف هما علما تأنيث جاز لهم أن يقولوا عصارى بمعنى الأصيل وهو الوقت بعد العصر إلى المغرب أو العشى لأنهم عرفوا العصر بالعشى إلى احمرار الشمس. وفي كل ذلك من التكلف ما لا يحتاج إلى الإشارة إليه. وهذا وإن كان له تأويل على هذا الوجه وهو جائز على لغة قبائل العرب إلا أنه لا يؤخذ إلا بالمسموع إلى الصحيح أو الفصيح لاستشراء داء الإبدال في عموم الكلم.
٣ - استعمال (إذا) في محل (هل) وبالعكس في غير محليهما
من الألفاظ التي جاءتنا عن طريق لغة الإفرنج قول كتابنا المحدثين: اسأل فلاناً إذا يجئ أم لا، وأنت تعلم أن (إذا) ظرف يتضمن معنى الشرط فإن أدخلتها في عبارتك وجب أن تدخل بعدها جواب الشرط، والحال إن الشرط متحد بالجواب لأن الجواب يتوقف عليه أما ظاهراً وأما مقداراً فكيف يتحصل الجواب على الشرط في هذا التركيب المذكور ولهذا
يجب أن تضع أداة الاستفهام في موضع (إذا) وتقول أسأل فلانا هل يجئ أم لا فيصح التركيب والمعنى معا.
٤ - لفظ نطقاً فصيحا بمعنى ألقى خطابا بليغا تعبير قبيح
ومن قبيح تعابيرهم قولهم:(لفظ نطقاً فصيحا) وفيها ثلاثة أغلاط: الأول: (لفظ) بمعنى (ألقى) وهو لم يأت إلا في اللغات الإفرنجية ولا يجوز في العربية إلا من باب التأويل البعيد كما إن النطق لم يأت في العربية بمعنى الخطاب أو الخطبة وإنما أتانا هذا الكلام من الترك الذين لا يفقهون العربية تمام الفقه وإنما يتصرفون فيها وفي ألفاظها وقواعدها تصرفاً يخطئون فيه مرة ومرة يصيبون ومن جملة ما اخطئوا في استعماله هذه الكلمة التي ادخلوها بمعنى الخطاب. وأما لفظة الفصيح فهي وإن كانت عربية محضة إلا إنهم لم يستعملوها هنا في موطنها وإنما الواجب في هذا الموطن إبدالها بالبليغ لأن الكلام قد يكون فصيحاً ولا يكون بليغاً وهو لا يكون بليغاً إن لم يك في الغالب