للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كلام العامة من اثر، ومنها ما قد تغير لفظه أو معناه أو كلاهما تغيرا مختلفا باختلاف الأماكن والأزمان؛ كما قد تكونت فيها من المفردات ما لم يكن من قبل موجودا في متنها؛ ولما كانت هذه المفردات متكونة بحكم الزمان والمكان كانت مختلفة أيضاً باختلافهما. ففي كلام العراقي منها ما ليس في كلام السوري، وفي كلام السوري ما ليس في كلام المصري؛ وهكذا.

غير أننا نجد لهذين المؤثرين في اللغة العربية أثرا واحدا قد عم جميع المتكلمين بها في جميع الأنحاء وهو سقوط الأعراب منها. فهذا الأثر وحده هو الذي نجده عاما في كلام العراقي والسوري والحجازي والمصري وغيرهم.

وأن قال قائل: هل يعد هذا التغيير الحاصل في اللغة العربية انحطاطا، أو يعد اصطفاء وارتقاء؟

قلنا: إن الجواب على هذا السؤال لا يكون إلا بعد طول نظر وأعمال فكر وليس من غرضنا في هذا الكتاب أن نخوض في مثل هذه المسألة العويصة سوى أننا نقول: لا يجوز الحكم بأن كل ما حصل في اللغة من التغير هو انحطاط وتقهقر إلى الوراء. كما لا يجوز الحكم بأن جميع ذلك هو اصطفاء وارتقاء لأننا أن قلنا بالأول كذبنا قانون بقاء الأنسب؛ وأن قلنا بالثاني كذبتنا البداهة ومن ذا الذي يستطيع أن يدعي بان سقوط الأعراب من اللغة

العربية مخالف لقانون بقاء الأنسب، وأنه ضروري لا بد منه للمتكلم بالعربية، مع أننا نرى العامة تتفاهم تمام التفاهم بكلامها الخالي من حركات الأعراب فالأولى إذا هو أن نترك الإفراط والتفريط فنقول بأن هذا التغير الحادث في اللغة منه ما يعد انحطاطا ومنه ما يعد ارتقاء.

ومما لا مرية فيه أن للغة العامية اليوم مزية لا تنكر. وذلك أنها على علاتها نراها جارية مع الزمان في مفرداتها فهي تنمو كل يوم بالأخذ من غيرها بخلاف العربية الفصحى فان جمودنا فيها واقتصارنا منها على ما نراه في معاجم اللغة قد رماها بالتوقف عن النمو حتى أصبحت متأخرة عن لغات الأمم الحاضرة على رغم ما اختصت به من المزايا التي خلت منها تلك اللغات.

ومهما كان فليس هذا البحث من موضوعنا هنا فلنضرب عنه صفحا، وإنما

<<  <  ج: ص:  >  >>