للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكيف ولا توفى دماؤهم دمي ... ولا مالهم ذو ندهة فيدوني

الندهة كثرة المال. وقال قوم الندهة العشرون من الإبل والمائة من الضأن والألف من الصامت ويقال وداه يديه وديا ودية.

وقوله ولا توفى دماؤهم دمي - أي دماؤهم كلهم لا تفي بدمي يقال أوفى به ووفى وأوفاه يوفيه إيفاء إذا قضى دينه على الوفاء.

وقال زيادة الحارثي من أبيات:

يقول رجال ما أصيب لهم أب ... ولا من أخ اقبل على المال تعقل

يقول يشيرون علي بأخذ الدية ولم يصبهم ما أصابني ولعلهم لو أصيبوا بما أصبت به لم تقنعهم الدية؛ ومحوه المثل السائر ويل للشجي من الخلي أي لا يساعده على شجاه ويلومه.

وقال الحكم بن زهرة:

قوم إذا ما جنى جانيهم آمنوا ... من لؤم احسابهم أن يقبلوا قودا

يقول هم قوم إذا جر واحد منهم جريرة آمن جميعهم لدقة أصولهم ولؤم احسابهم أن يؤاخذ كلهم بها. فكيف الواحد منهم كأنهم لا يعدون بوآء بقتيل والقود أن يقتل القاتل بالقتيل فيقال اقدته به. وإذا أتى الرجل صاحبه بمكروهة فانتقم منه بمثلها قيل استقادها منه.

وفي كتاب أعلام الموقعين لأبن القيم أن الجناية على النفوس والأخطاء تدخل من الغيظ والحنق والعداوة على المجني عليه وأوليائه مالا تدخله جناية المال ويدخل عليهم من الغضاضة والعار واحتمال الضيم والحمية والتحرق لأخذ الثار مالا يجبره المال أبدا حتى أن أولادهم وأعقابهم ليعيرون بذلك، ولأولياء القتيل من القصد في القصاص وإذاقة الجاني وأوليائه ما أذاقه للمجني عليه وأوليائه ما ليس لمن حرق ثوبه أو عقرت فرسه؛ والمجني عليه موتور هو وأولياؤه فان لم يوتر الجاني وأولياؤه ويجرعون من الألم والغيظ ما يجرعه الأول لم يكن عدلا. قال وقد كانت العرب في جاهليتها تعيب على من يأخذ الدية ويرضى بها من درك ثاره وشفاء غيظه كقول قائلهم يهجو من أخذ الدية من الإبل:

وأن الذي أصبحتم تحلبونه ... دم غير أن اللون ليس بأشقرا

وقال جرير يعير من أخذ الدية فأشترى بها نخلا:

أن ابلغ بني حجر بن وهب ... بأن التمر حلو في الشتاء

ومثل قول جرير قول الفرزدق:

أكلت دما أن لم ادعك بضرة ... بعيدة مهوى القرط طيبة النشر

يريد بالدم الدية.

وقال آخر:

خليلان مختلف شكلنا ... أريد العلاء ويبغي السمن

أريد دماء بني مالك ... وراي المعلى بياض اللبن

وهذا وأن كانت الشريعة قد أطلته وجاءت بما هو خير منه واصلح في المعاش والمعاد من تخيير الأولياء بين إدراك الثار ونيل التشفي وبين أخذ الدية فأن القصد به أن العرب لم تكن تعير من أخذ بدل ماله ولم تعده ضعفا ولا عجزا البتة بخلاف من أخذ بدل دم وليه فما سوى الله بين الأمرين في طبع ولا عقل ولا شرع. أهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>