للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال اغلبهم: سلمنا لك بهذا الوضع. فما تقول الآن في ما يقابل كلمة الإفرنجية.

فقام واحد من الحاضرين وقال: يحسن بمن يذكر كلمة إفرنجية أن يشرحها ليسهل علينا فهمها. أو ليسهل علينا إيجاد ما يرادفها عندنا إذ ربما كان بيننا من يعرفها؛ فلا حاجة إلى

أن نوجه الكلام عبثا إلى غيرنا.

قال المعترض: كلمة الفرنسية يقابلها في أو وتعني ما لم يطبع من الكتب أو لم يشهر ولم ينشر منها. يقال:

أي قصيدة لم تنشر أو لم تعرف بعد (راجعوا معجم لاروس في المادة المذكورة تجدوا هذه الإفادة وبهذا الشاهد).

قلت: فإذا كان الأمر كذلك يسر علينا وجود لفظة عربية فصيحة. لأن صحف العرب يومئذ كانت دواوين أشعارهم: وصحفيوها كانوا الشعراء والحال انهم قالوا في هذا المعنى غميس. ومنها قولهم قصيدة غميس أي لم تعرف بعد. فالكتاب الغميس إذن هو ذلك الذي لم يظهر بعد للناس؛ أو لم يعرف بعد. فهل بينكم من ينكر مطابقة هذه العربية لتلك الأعجمية. قال جميعهم: نوفقك كلنا على هذا الوضع فإنه واف بالمقصود ويؤدي المعنى أحسن تأدية.

ثم قام واحد منهم وقال: إنك نصراني وتحب الثالوث؛ أفلا تثلث لنا الجواب فنسألك سؤالا ثالثا؟ قلت: قل ما بدا لك. قال: عند الإنكليز والفرنسيين كلمة يسمون بها القوة التي يكتسبها المرء من مداومته على الشيء أو من كثرة مزاولته إياه فيفعل أموره عفوا لا عن فكرة أو درس وهذه الكلمة هي فهل عرف العرب لها مرادفا؟

قلت: وكيف لا؟ وهذه الكلمة هي الضراوة. قال في كتاب البيان للجاحظ (١٠٧: ١ من طبعة محب الدين الخطيب): ومن حصل كلامه وميزه؛ وحاسب نفسه وخاف الإثم والذم؛ أشفق من الضراوة وسوء العادة وخاف ثمرة العجب وهجنة القبح وما في حب السمعة من الفتنة وما في الرياء من مجانبة الإخلاص) أهـ فما أشرت إليه من معنى (روتين) الفرنجية هي (الضراوة) بعينها كما سمعتها عن الجاحظ.

قال الجميع: كفى اليوم بهذا القدر والله محب المحسنين. فتناثر عقد النادي.

<<  <  ج: ص:  >  >>