للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

باب جامع الحيدرية ضالا فسأله عن اسمه فقال: (طعمة) وعن أبيه فقال: (عبد الوهاب) فأخذه إلى داره وعني بتربيته وتهذيبه ووكل به من علمه القرآن الكريم فحفظه حفظا متقنا، وتعلم الخط فجوده، ودرس اللغة العربية وشدا الأدب، وأتقن صناعة التجليد، وحذق ضروب الغناء والضرب على الكمنجة حتى اصبح في فنونه أعجوبة الدهر.

وكان مفرط الذكاء مجيدا في تقليد الحركات والحكايات والأصوات منقطع النظير في السباحة؛ يتصرف فيها تصرفا عجيبا ويأتي فيها ضروبا لا يكاد يقدر عليها إنسان فكان تارة يعوم على سطح الماء منتصبا حتى لكأنه جالس على كرسي أو فراش وثير ويضع على فخذه نارجيلة يدخن بها ذاهبا آئبا يمينا وشمالا. وتارة يقطع دجلة منكسا رأسه لا يبين منه سوى عجزه خارجا إلى غير ذلك مما يفتن الألباب من عجائب الألعاب.

ومن نوادره قصة مشهورة يذكرها الشيوخ فيما يذكرون في مجالسهم من النوادر والغرائب، وذلك أنه قبل أن يبقل عذاره ويطر شاربه صنع من الصوف لحية وشاربا ووضعهما في موضعهما من وجهه ولبس عمامة هندية كأنها العش، وهيأ له من حمل أمامه الفانوس (المصباح) وقت العشاء في الصيف فأستأذن على مربيه المفتي وكان مجلسه غاصا بأصحابه الفضلاء والأعيان قائلا: أنه من حكماء الهند وأطبائها فأذن له فلما دخل نهض المفتي واستقبله وجذبه إلى الصدر ورحب به وقد خفي عليه أمره فأخذ طعمة يتكلم بلهجة هندي تعلم العربية واظهر أن له اليد الطولى في الطب والحكمة، وكان في المفتي وفي كثير من جلسائه أمراض لا تخفى عليه لكثرة خدمته لهم ووقوفه على خافيهم وباديهم، فصار كل واحد منهم يتقدم إليه فيجس نبضه ويفحصه فحص الطبيب الحاذق فيخبره بما فيه ويصف له ما يناسبه من العقاقير حتى بهرهم وأخذتهم الدهشة من حذقه ومعرفته. فلما أستأذن للوداع شيعه المفتي وجماعته معجبين به راغبين إليه في الاجتماع به كثيرا حتى

إذا بلغ السلم انحدر مسرعا كالبرق فضحك الخدام ضحكا عاليا سمعه المفتي وأصحابه في السطح فسألوا عن السبب فأخبروهم بالأمر فاستغرقوا في الضحك واعجبوا بنكتته.

<<  <  ج: ص:  >  >>