للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأعراق ومكارم الأخلاق، بحيث انك لو بحثت عن نظيرها عند سائر الأقوام لرجعت عن مسعاك أخيب من حنين.

لكن هذا الأمر لا يتسنى لكل امرئ، إذ أصبح الوقت اثمن من سابق لما ينتاب المرء من أمور تنازع البقاء. فصار الوقوف على مجد السلف في اقصر مدة من الأمور الواجبة على كل ناطق بالضاد. وكيف يتيسر الأمر للمطالع والبحث مشتت في أسفار عديدة ضخمة؟ ومع كل هذه الحاجة إلى مصنف جامع لهذا الموضوع لم نر من افرد له كتابا، حتى عرض أحد ملوك الإفرنجة جائزة لمن يضع سفرا يوفي هذا المبحث حقه، وذلك في أواخر الشطر الثاني من المائة التاسعة عشرة للميلاد. حينئذ تنبهت الأفكار إلى وضع كتب تجزأ الناس به عن تلك الأكداس من مصنفات السلف.

فتقدم فريق من المصنفين وعرضوا ما نسجوا برده على الجماعة الموكلة بفحص تلك

الشؤون، فلم يبرع فيها سوى أستاذنا محمود شكري الالوسي، السيد الشريف والكاتب الضليع. والشيخ إبراهيم اليازجي المعروف بوقوفه على أخبار السلف وآثارهم. فكوفئ كلاهما مكافأة حسنة.

وكل ما دونه الأستاذ مأخوذ من مئات من الكتب، ومما يؤسف عليه أنه لم يذكر أسماء المآخذ التي نقل عنها. ولو فعل لكان ارفع مقاما في عيون المحققين. لكثرة ما وقف عليه من المصنفات الجليلة. ولكان أوثق حجة وأوفى بالمرام.

على أن الحق يقال: أن هذا السفر الممتع وأن كان رحب الأكتاف إلاَّ أنه دون ما نتمناه اليوم من تقدم العلم والتاريخ. ففي الكتاب أمور جمة ينكرها المتثبتون وتردها مكشوفات العصر. بيد أنه لا بد من معرفتها على وجهها الذي ذكره الأستاذ لأنه ينطق بلسان السلف في مختلف عصورهم وكان ذلك منتهى علمهم وتحقيقهم. ولا يكلف الله نفسا إلاَّ وسعها.

هذا مجمل ما يقال في هذا التصنيف الفذ. أما طبعته هذه فتفوق الطبعة الأولى بكثير. وسنقول كلمتنا عنها في الجزء القادم.

<<  <  ج: ص:  >  >>