للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأخير وتحقيقه بالتاء لئلا يمتزج بحرف آخر كالثاء أو الطاء أو الدال أو بغيرها - وكذلك القول عن الناقص أي زيادة الألف في الآخر هو من هذا القبيل أيضا أي هو من باب تحقيق الحرف الأخير) فالفتى على الحقيقة وحيد الهجاء أو المقطع فهو (فت) لا غير. والعربية في ألفاظها الواحدة المقطع على هذا الوجه كثيرة؛ اكثر مما يرى في سائر الألفاظ. إذن العربية اقدم سائر اللغات المعروفة.

٢ - أن لمادة (فت) معاني تؤيد مشتقات الفتى. فألفت: دق الأشياء وكسرها بالأصابع. وما يفتت لا يكون إلاَّ صغيرا.

وهناك فرع آخر هو فتأ الشيء (بالهزة في الآخر) ومعناه كسره أيضا؛ ثم هذه الهمزة تفخم فتصير حاء فتقول فتح. ومنها: فتح القناة فجرها ليجري الماء فيسقي الأرض؛ وما يفجر يصغر.

وقد تزاد الراء على آخر (فت) فتصير (فتر) يقال: فتر الشيء، سكن بعد حدة وفلان فتر عن العمل: انكسرت حدته ولأن بعد شدته. والحر انكسر. والماء: سكن حره. وفتر جسمه: لانت مفاصله وضعف. وترى في كل هذه المعاني اللين والانكسار وهو يرجع إلى الصغر والتجزؤ أيضا.

ثم انتقل إلى ما يلحق مادة (فت) من حروف تكسعها بها. فيكون عندك فتغ الشيء؛ أي وطئه حتى ينشدخ - وفتق الشيء شقه وخلاف رتقه - وفتك الرجل: ركب ما هم من الأمور ودعت إليه النفس؛ كما أنه صيّر تلك الأمور صغيرة لما به من شديد الهمة وأسرها.

فهذه الفروع على تشعبها وتفننها تدلك على أن مادة (فت) عربية الوضع وليس لسائر اللغات ما يضاهيها. فلكون اللفظة وحيدة الهجاء هو احسن دليل على قدمها. فهل يستطيع الغير أن يأتونا بمثل هذا البرهان القاطع؟

أما كيف أخذ اليونان أو الآريون من هنود وغيرهم هذه اللفظة عن العرب؟ أو عن الساميين؟ قلنا: هذا كان في العصور الواغلة في ظلمات القدم؛ حينما كانت تلك الأمم متجاورة مختلط حابلها بنابلها.

وعندنا من هذه الألفاظ شيء كثير؛ تثبت قدم اللغة العربية أو اللغات السامية وتفوقها عليها جميعها: تلك اللغة الضادية التي ضاهت بوضعها محاكاة الطبيعة على تشعب ما يسمع فيها من الأصوات المتعددة.

نعم أن رأينا لا يوافق كثيرين من أبناء الغرب وجما غفيرا من الشعوبية لكننا نقيم من أدلتنا المتعددة، ومن أكوام الألفاظ المنيعة ما يقوم بوجههم جبلا لا يمكن هدمه أو نسفه؛ بل إزالته عن موضعه ولو قيد شعرة!

<<  <  ج: ص:  >  >>