للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المشتبك بعضه ببعض وهناك الإحراج الملتفة يتخللها خروق عميقة مظلمة كلها صهاريج من قصب أو أروقة اختبأ فيها الليل الدامس تسمعك نغيط البط ونقيق الضفادع وجحف التيار وتشغلك فيه صفقة البق وحكة الجرجس، أرض نز ودور تهتز وهواء كدر غليظ وماء سخن زعاق، آجام تكمن فيها الأسود، وغياض تمرح فيها الخنازير ومناقع تنساب فيها الأفعى لا مبرك فيها ولا مسلك ماء وبئ ومناخ خسيس يهولك منه دوي الهوام وصرير الجدجد تتوسطها تلول هادئة ساكنة لا تعبأ بطوارئ الزمن ولا تخضع لعواصف الرياح وما هي إلاَّ صناديق

عبر.

هذا هو تاريخ هذه البطائح التي تسلمها العربي فأنهضها صآصيء منيعة وجلب لها الاكرة والمزارعين فلقد أصبحت دساكر وضياعا بل آطاما بعد أن كانت آجاما؛ غدت عقود القصب مروج الذهب.

ولما استقرت الدولة الإسلامية في العراق أصبح صقعه قراحا مخلصا للزرع وكثرت فيه السواعد والخلجان وتفرعت فيه السواقي والرواضع فكان للبطائح الحظ الأوفر لهذا الأمر الجلل؛ فتقدمت في الزهو والعمارة ودخل إليها العمال بالسفن وأوغلوا في المواضع المنيعة فانتزعوا منها الأدغال والقصب وأنبتوا بمكانها الأرز ولا يزال معمرو هذه البلاد يذكرون ما شاهدوا من بقايا منابت الأرز وخطط دباره المعروفة وأثرها اليوم ظاهر في الحفائر والمنخفضات وكانت في إبان الدولة الأموية قد بلغت الشأو الأعلى وجرت الشوط الأبعد؛ وبقيت البطائح كورة عامرة فتسعد أهلها إلى عهد الديالمة من الأيوبية فأهمل أمرها قليلاً فانفدت عمائرها ووهى شأنها وتغلب عليها قوم اتخذوا المياه معاقل حصينة لهم فتجرد من في تلك الأرض على السلطان وعلى هذا بقيت في عهد آل بويه وكذلك في عهد السلجوقيين.

ولما انتعش بنو العباس عادت إلى حالها الحسن وكبرت فيها الجباية كما كانت في القديم وذكر حفيد الصابئ في كتاب الوزراء عمران البطيحة بخراب بغداد قال في حوادث سنة ٣٩٢ لا جرم أن البلد (يعني به بغداد) خرب وانتقل اكثر أهله عنه فمنهم من مضى إلى البطيحة ومنهم من اعتصم بباب الازج ومنهم من بعد إلى عكبرآء والانبار وفي هذه السنة مضى أبو نصر بن سابور الوزير إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>