للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المذكور راهبات تقدمه العذراء الدمنكيات الفرنسيات لهذه الغاية، فجئن في سنة ١٨٨٠ من تور (فرنسة).

أما سيدي فذهبت إلى بيت أهلها محافظة على تقواها وأشغالها داعية الكل بأمثالها إلى حب الفضيلة وتوخي مكارم الأخلاق. فخطبها جبرائيل بن حنوش أصفر وهو شاب مهذب يتعاطى يومئذ التجارة في البصرة وكان معروفا هو أيضاً بكبريات الأعمال وجلائل المبرات. فرضيت به زوجا بعد أن كانت قد رفضت أيدي شبان عديدين لم يكونوا أكفاء لها، بل كانت قد رفضت يد الفاضل جبرائيل نفسه مرارا، إلا أنها لما تحققت أنه يلح في طلبها، رأت في هذا الإلحاح أمرا آتيا من السماء لتنشئ لها بيتا مبنيا على أسس الفضيلة وأعمال البر، إذن تزوجت سيدي في البصرة في ١٠ نيسان سنة ١٨٨٣.

ما كادت سيدي تقترن بالشاب أصفر إلا نظمت البيت على أحسن وجه وعنيت بجميع الموظفين الذين يشتغلون في محل زوجها، كما قامت بالفرائض التي كتبت عليها لتسير طرق التقى والعبادة وحسن السلوك على جميع الخدام الذين كانوا يستخدمون في داخل البيت وكانوا عشرات. وما كانت تفرق بين نصراني وغير نصراني، إذ الجميع كانوا في نظرها أخوة لها لا خدما أو مستأجرين، ولهذا كنت ترى جميع المستخدمين عندها يعزونها ويكرمونها إكرام الأولاد لأمهم، وكان المسلمون في دارها أكثر من النصارى واليهود لما رأوا فيها من عنايتها بهم ذلك الأمر الذي لم يروه في سائر المحلات التي خدموا فيها.

رزقت عدة بنين وابنة واحدة، أما البنون فلم يعش منهم إلا (البر) والابنة الوحيدة التي رزقها الله هي (جوزفين) فربت الولدين بعناية لا توصف إذ جلبت لهما معلمين في بيتها لتقوم هي ببقية ما قد انتدبت له من أمر التهذيب والتأديب.

ومع كل غناها وحسن حالها، ما كنت تراها تلبس الثياب الغنية ولا الحلى وكرائم الحجارة، بل كانت تكتفي بثياب نظيفة لائقة بمقامها، وكانت تكره السهرات والمراقص والولائم والحفلات الكبير، إذ كانت قد تحققت ما تحت ظواهر هذه المواسم من السموم التي لا تبقى ولا تذر

وكان لها ولزوجها صلات بأكابر من وطنين وأجانب ولا يخلو البيت

<<  <  ج: ص:  >  >>