للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يريد بها الأماكن التي تصلح للفرجة عليها، ونسميها اليوم منتزهات أو متنزهات. أما (المفترجات) فلا نعرفها، بل لم نسمعها، وهي مشتقة من مادة (الفرجة وتفرج ولا نعلم إن كان هو الذي اخترع تلك الكلمة أو كان يستعملها أهل زمانه فتابعهم عليها؛ لكنه مع الأسف لم يذكر تلك (المفترجات) التي زارها ولا اعتنى بوصفها لنا). انتهى المطلوب من إيراده.

قلنا: (المفترجات) كلمة وردت في كتب المولدين قبل صاحب (رحلة إلى حلب والشام) بمئات من السنين؛ وذكروها بمعنيين: أحدهما حسن وهو الأول في موضعه بمعنى المتنزهات التي يفرج برويتها عن الغم والهم. - والثاني قبيح بمعنى الماخور أو دار الفجور: لأن بعض أهل المفاسد لا يفرجون همهم إلا في مثل تلك البيوت، ونحن نذكر على ذلك شواهد:

قال الغياثي في تاريخه المسمى (التاريخ الغياثي) وكان المؤلف عائشا في سنة ٨٨٣ هـ (١٤٧٨م) في ص٢٧٧ من مخطوط خزانتنا: كان (الخليفة الناصر) كثير الولع بجمع الذهب وخباءه، لكن جميع ما دفنه استخرجه ولده المستنصر وله قصة طويلة وأخرجه على العمارات والمفترجات وأبواب البر، انتهى. فهذا نص صريح على أن المفترجات وردت بمعنى المتنزه أو المنتزه.

وقال ابن اياس (المتوفى في القرن التاسع للهجرة أو الخامس عشر للميلاد) في تاريخه: (وكانوا يتجاهرون في ذلك اليوم (يوم النيروز في القاهرة) بشرب الخمر وكثرة الفسوق في أماكن المفترجات حتى يخرجوا في (ذلك) اليوم عن الحد. . . فلما تسلطن الظاهر برقوق أمر بإبطال ما كان يعمل في ذلك اليوم. . . وانكفوا عما كانوا يفعلونه. . . في أماكن

المفترجات ونحو ذلك. وهذه الواقعة ذكرها المقريزي من حوادث سنة ٧٨٧). اهـ فهذا نص آخر واضح لكنه بالمعنى القبيح.

أما اشتقاق اللفظة فلا ينافي وضع الأقدمين وذلك لأن فرج ورد في لغتنا بمعنى فتح فقد قالوا فرج بين الشيئين أي فتح بينهما وكما قالوا افتتح الباب بمعنى فتحة قالوا: افترج الهم بمعنى فرجه أي كشفه وأذهبه. فالمفترجات إذن كاشفات الهم والغم ومذهباته عن صاحبه؛ إذن هي المتنزهات لما فيها من

<<  <  ج: ص:  >  >>