للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أبو العبر (ولفظها كسبب أيضاً) أي أنت صاحب العبرات جمع عبرة، (كقصة) وهي الحكاية التي تضحكك أو تبكيك وفيها شعر ورقص ونغم.

قلت: ومن قال لك أن هذا هو معنى عبرة وجمعها عبر أو عبرات؟

قال: هذا الذي أسمعه من الناس، ولا شك أنها من اصطلاح العوام.

قلت في نفسي: إن أبناء وطني بغداد لا يقولون شيئاً إلا فيه أصل في تأريخ البلاد، أفترى أجد الكلمة عبر أو عبرة في كتبنا. ثم بحثت عن الكلمة في معجم دوزي، فلم أر أثراً لها، ثم فتحت محيط المحيط فوجدته يقول: (أي كقصبة) الهازل الخليع، قلت: لقد ظفرت بالضالة فهذا المعنى هو المطلوب؛ لكن هل نراها في القاموس وتاج العروس؟ فنقرت عنها في تاج العروس، فوجدته يقول:

(أبو عبرة أو أبو العبر) بالتحريك فيهما؛ وعلى الثاني أقتصر الصاغاني والحافظ، وقال الأخير: كذا ضبطه الأمير، وفي حفظي إنه بكسر العين، وأسمه أحمد بن محمد بن عبد الله

بن عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن عباس الهاشمي (هازل خليع). قال الصاغاني: كان يكتسب المجون أو الخلاعة، وقال الحافظ: وهو صاحب النوادر، أحد الشعراء المجان) اهـ. - فاتضح لي خطأ صاحب محيط المحيط، فكان يجب عليه أن يقول: أبو عبرة هازل خليع، لا الهازل الخليع. وبين التعبيرين فرق عظيم كما لا يخفى على البصير. - واتضح أيضاً أن العبرة تأتي بما يقابله عند الإفرنج لفظ أوبرة.

أما وجه دخول (عبرة) في لغة الجانب بهذا المعنى، فكان على طريق الإيطاليين، فان سلفنا العرب كانوا احتلوا جنوبي ديار إيطالية وتكلموا لغتهم فيها، فدخل في لغة الإيطاليين ألفاظ جمة من لساننا كما دخل منه شيء كثير في الأسبانية والفرنسية. - وأما تعليل الإفرنج لتسمية تلك الرواية التمثيلية بهذا اللفظ فهو تعليل لا يخلو من تعسف وتكلف. ولو ذهبوا إلى ما نذهب لما بقي في توجيههم أشكال ولا غموض. - إنهم يقولون سميت الاوبرة بهذه التسمية أي (أعمال) لأن هذه الرواية تتطلب أعمال فكرة وبذل جد لجمع الشعر إلى النظم، إلى تنسيق المعنى وربط بعضه ببعض لتستقيم لك تلك

<<  <  ج: ص:  >  >>