للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كأن يكون الأثر المنقود مشتملا على تبجح وأنانية وخدع للجمهور وغش للحقيقة وركوب للصعب والذلول في سبيل الفخفخة فيضطر الناقد أن يدجج قلمه بشيء من خصائص الفؤوس والمعاول ليسخره في تحطيم بعض الهياكل الفارغة التي بنيت في الهواء ولم تشتمل إلا على هواء.

أو أن يكون الناقد شرس الطبع لا يريد وجه الحقيقة بل هدفه الأقصى تبكيت خصمه وإفحامه والتشهير به على أي وجه كان وهو فيما بين ذلك يحاول اقتناص صيت مزور وان لطم جبين الحق ووطئ بأظلاف الباطل وهي لعمري خطة شنعاء يمقتها ذوو النفوس الشريفة التي لا يهنأ لها عيش والباطل نصب أعينها.

قلت آنفا أن الانتقاد افضل علاج ولا يفوتنا أن نقول انه تشخيص في وقت واحد وإذ كان منطويا على هاتين الخصلتين الكريمتين فخليق به أن يكون صريحا ونزيها فإذا كانت الصراحة ناقصة كان التشخيص ناقصا وإذا كانت النزاهة مفقودة كان الدواء مشوبا بمواد تعوق عقاقيره عن النجوع.

إن من الظلم السكوت على ما لا يصح السكوت عليه! وان النجاح منا لفي مناط العيوق إذا اتخذنا المداهنة دينا والمحاباة ديدنا والتبصبص شعارا وحب الذات كعبة تطوف بها حجيج آمالنا واخلق بأمة هذا منهاج رجالها وأدبائها ومربيها أن يكون نصيبها الفشل في المواقف التي لا يثبت فيها إلا الجد والحقيقة.

ومن أمراضنا الجبن والخور وضعف النفس فترى بعضنا إذا اخرج للناس كتابا مثلا أهداه إلى من يخشى صولته مضمنا عبارة الإهداء ضربا من التملق وطأطأة الرأس ليكف عن نفسه عاديته.

وإذا بلغه أن نقادة يحاول الكتابة حول أثره سقط في يده وعاذ بكل معاذ! تفاديا من الحملات المتوقعة وفي ظني أن اكثر من يقلق النقد طيور أفئدتهم قصار الباع وعبيد الشهرة الذين يبنون صروح شهرتهم على جروف هائرة. أما أهل الجد والحقيقة فانهم يتقبلون النقد بصدور رحبة لأنه أما أن يكون سديدا فيقبلون على خططهم فيصلحونها وأما أن يكون طائشا فهم اقدر على رده إلى نحر صاحبه.

<<  <  ج: ص:  >  >>