للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دجلة ومنها إلى بغداد، إذ وجد الناقبون ولا يزل يجدون في بغداد أبنية قد شيدت قواعدها وأسسها باجر عليه كتابات وخطوط آشورية أو مسمارية مصدرها أو مأخذها مدينة بابل الشهيرة ولعل القارئ يستغرب قولنا هذا فنقول

له: إذا علمت السبب، بطل العجب. ولا تستغرب هذا النقل من مدينة إلى مدينة أخرى، لأنك إذا أغرت في العراق، وانجدت، واسهلت وأحزنت، وصعدت وحدرت، لاتعثر فيه على حجارة للبناء كما تعثر في سائر الديار، وعليه فالعثور على آجر هو إليك اقرب من حبل الوريد يعد بمنزلة العثور على كنز دفين، أو علق ثمين ولذلك جميع عمائر هذه الديار من قديمة وحديثة مبنية كلها بالأجر الذي يسميه العراقيون (الطابوق أو الطاباق) بتفخيم الألف الثانية. يدخل في تلك الأبنية مع الطابوق الخشب بأقدار وافرة وفي بعض الأحايين لا ترى أجراً في تلك المشيدات، بل ليناً لندرة الوقود وفي هذه البلاد ولغلاء أسعار الخشب. فيتخذ حينئذ الوطنيون الشمس بمنزلة الوقود. لكن ما كان اللبن لا يصبر على طوارئ الجو صبر الأجر فتتهور الأبنية في زمن وجيز. هذا فضلاً عن أن البناء باللبن لا يستعمله إلا المتحضرة من الإعراب المجارة للمدن أو المنبثة في أرياضها وأرجائها. وأما المنازل القوراء، والقصور الفيحاء، والأبنية الشاهقة، والمعاهد العمومية العالية فلا تشاد إلا بالطاباق الحسن المتخذ من صلصال أرض بغداد والمشوي في مواف منتشرة في حوالي الحواضر والقرى. ومما لا ينكر أن ما يشوي اليوم من الأجر هو دون ما كان يشوى سابقاً أن من جهة الشيء، وان من جهة الصلابة والصبر على مساوئ الزمان وفتكاته ومما يفوق آجر جميع هذه الديار جميع هذه الديار هو طاباق

<<  <  ج: ص:  >  >>