آل الصراف. فاخذ يطوف القراء بما يلاحظه في هذا الموضوع والفضلاء يطالعون هذه المباحث بشوق عظيم، أن في ديارنا الشرقية وإن في الديار الغربية ويستزيدونا منها.
واليوم يهدي إلى هذه المجلة موضوعا من الذهنية المواضيع وهو ترجمة أحد (الدراويش) الذين كان يرى مثلهم في بغداد قبل نحو خمسين سنة مئات ومئات يجولون في الطرق والأسواق ليستعطفوا الناس عليهم ويستدروا حسناتهم. وفي الوقت عينه يعرفنا بحالة أبناء المجتمع في البلاد التي مر بها المترجم و (عقليتهم ونفسيتهم) وسلطة بعض طبقات الناس على بعضها الآخر. ولهذا تعد هذه الترجمة من افخر ما كتب في هذا المعنى، ومما يجب أن يحتذى عليه، إذ هي المثال الأعلى في هذا الموضوع. قال حفظه الله:
(لغة العرب)
رجعت في الليلة العاشرة من شهر تشرين الثاني ١٩١٩ إلى بيتي الواقع في حارة (باب بغداد) في كربلاء وهي حارة ضيقة الأزقة، ينيرها بصيص من ضياء الفوانيس القديمة
المعلقة على جدران البيوت. وكانت الليلة ظلماء حالكة الأديم. خلت سماؤها من قمر مضيء، وكوب لامع: فركنت إلى غرفتي وكنت تعبا ضجرا، مهموما أفكر في العبء الثقيل الذي القي على عاتقي وهو عبء المدرسة الأميرية إذ كنت مديرها. وكان المعلمون السبعة الذين عينوا لها من الأعاجم؛ فكان فيها الشاهرودي والطهراني والشيرازي والرشتي.
وكان في كربلاء ثلاث مدارس فارسية تزاحم مدرستي وتسعى إلى القضاء عليها. وكنت أرى بعيني أبناء العرب الاقحاح من العلويين والهاشميين يؤمون المدارس الأعجمية هناك، حيث يدرسون التاريخ الفارسي والآداب الفارسية ويهتفون بذكر طهمورث وحمشيد وكسرى. وقد تغيرت سجاياهم العربية وتبدل إحساسهم وتطورت عوائدهم وألفوا الفارسية بدلا من العربية.
وكان حاكم كربلاء إذ ذاك رجلا فارسيا عينته السلطة الإنكليزية أثناء الاحتلال، وكان داهية، شديد النعرة الفارسية كثير الرغبة في إنهاض المدارس الإيرانية. قليل الاهتمام بالمدرسة التي كنت مديرها، إلا فترات كان يجامل بها الاهلين، وكادت كربلاء إذ ذاك على شفا جرف هاو. إذ كادت تنقلب بلدة فارسية.