للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الطوائف من جهالتها محاولا تقريبها إلى المثل الأعلى لتلك الحضارة الأدبية الماضية مراعيا في ذلك آثار الزمان والمكان، ودواعي الفروق بين الحالة الحاضرة أمامه وبين الحالة السالفة أمام العصر العباسي حيث ازدهرت الدنيا بآثار العربية وكنوزه الثمينة. . . وأي شيء يجب البدء به سوى تقويم الألسنة وتطهيرها من الأخطاء اللفظية والكلمات الأعجمية حتى إذا استقامت واشتد ساعدها كان على المصلح أن ينظر في محاولات أخرى معنوية وموضوعية عله يتم ما بدأ؟!

أفليس الناس إذ ذاك أشبه شيء بالطفل الناشئ يجب إصلاح لسانه ثم يتلقى بعد ذلك المعلومات؟ أريد أن أفصح أكثر من هذا فأقول: كانت النهضة محتاجة إلى تقويم جسمها قبلا حتى يتمكن من حمل ما يلقى فيه من الروح الحديثة التي هي في الحقيقة الغاية أو الوسيلة للرقي العام.

هكذا كانت تعمل دار العلوم بمصر أول نشأتها فكانت معنية بدراسة الأدب العربي القديم وتقليده بعض الشيء لفظاً وأسلوباً، وكان المتخرجون فيها يجتهدون في تقويم الناشئين بهذه الأساليب حتى تأسست الدراسة المصرية على نهج قويم، وقريباً من هذا في شيء من التجديد عمل رجال سورية لاتصالهم أكثر من سواهم بالحضارة الأجنبية فلانت لهم الأساليب وجروا شوطاً ليس بالقريب.

أما الأب الكرملي فقد كان ترتيبه الطبعي أسبق من ذينك العاملين: كان فقيها لغويا عليه وحده نعتمد في الإصلاح اللفظي: الأفرادي والتركيبي لأنه أتيح له ما لم يتح لقرينيه ففاز بخير نصيب.

- ٣ -

نعم أتيح له ما لم يتح لغيره من جميع المشتغلين باللغة العربية في هذا العهد فكان طبيعيا

أن يكون عمله أجدى من ناحية، وأن يكون (صاحب الشريعة الغوية) أن أباح لنا هو هذا التعبير من ناحية ثانية.

من هذه الميزات ولوعه منذ الصغر باللغة وآدابها، وإذا علمت أن أول دراسته كانت في كتب الصرف تبين لك من أول الأمر ذلك المذهب الذي سيعتنقه هذا الصبي بعد. . . بناء اللغة وتكوينها وفهم أسرارها.

ومنها إكبابه الطويل على دراسة اللغة والبحث في معاجمها وجمع الكتب التي تصادفه وتفيده في هذا الباب، فحصل على أكبر قسط من المعارف اللغوية التي

<<  <  ج: ص:  >  >>