للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ودانتي وأمثالهم، مستمدا منهم وحي الشعر الحي الحقيقي، فلا نقنع بدواوين السلف الأقدمين فحسب، ونتأثر بها. وإني لأعجب للشاعر منا لا يلتفت إلى ما هو خارج عن حدود العربية ويزيدني استغرابا أن أجد الكتاب أيضا، إذا ما تناشدوا أخبار التاريخ ذكروا سلفنا العرب، كأن هؤلاء الذين قذفتهم الأرض ولفظتهم البادية الجرداء، سادة الاجتماع وكأن تاريخهم وحده هو تاريخ العالم بأكمله، أو كأن المكان لا يتسع إلاّ لأخبارهم

ونوادرهم وخرافاتهم ووقائعهم.

نعم لقد أتوا أعمالا عظيمة تستحق الإعجاب والحمد ولكن ليست إلى هذا الحد الذي يجعلنا أن نذكرهم أناء الليل وأطراف النهار وفي معرض كل كلام، حيث لا يكون لذكرهم من لزوم بل لا يتعلق بهم على الإطلاق بأمر. وبلغ ببعض المتهوسين أن لا يتذاكروا ربهم بقدر ما يذكرون العرب من تمجيد وتعظيم.

أذكر أني قرأت لأحد الشعراء المعاصرين قصيدة كرر ذكرهم ست مرات في بيتين منها، وفي معرض سخيف جدا. فتأمل!

إذن فالشاعر العصري يجب أن يسير على مثال أبناء الغرب. ولا يقتبس من القديم سوى ما كان ضروريا. لئلا يفسد ذلك لغته ونرى أن لا يضع همه الوحيد في العربية فقط، بل يأخذ بما تأثرت به اللغة من اللغات القديمة الأخرى كالسريانية مثلا، فالإفرنج أنفسهم، مع ما بلغته لغاتهم من رقي (ومعاصرة) يأخذون عن اللاتينية والإغريقية ليجيدوا الكتابة في لغتهم، فهذا راسين الذي عاش في القرن السابع عشر يكتب إلى ابنه ناصحا أن لا يعكف على شعراء الفرنسية فقط ولا يجعلهم درسه الوحيد، وها أننا نورد ههنا الفقرة مترجمة إلى العربية حرفا بحرف وهي من كتاب له إلى ولده مؤرخ في الثالث من حزيران (يونيو) عام ١٦٩٣ (أي قبيل وفاته بسنوات ست):

<<  <  ج: ص:  >  >>