به بعض الشيء (إنما الشخص الذي يذكر عادة كأبرز ممثل للذهن الشكوك في الآداب الإسلامية القديمة لهو الشاعر الضرير: المعري) صاحب اللزوميات ورسالة الغفران وسقط الزند وما إليها من بدائع الكتب، وقد داخله الشك أولا في دينه ثم عقبه في غيره من المعتقدات والأديان بما ولده في نفسه العكوف على درس الديانات الأخرى وفلسفتها ولا ريب أن المحن والمصائب التي حلت بساحته كان لها اليد الطولى في تحويل دفة ذلك الخيال المتدفق العظيم وسوقه في بحار الشك واليقين المتعاركة المتلاطمة فرجحان الأولى في غالب أعماله. فمن فقدان نعمة البصر فرأفة الوالد فحنو الأم الحنون إلى عبث الأيام وسخر الأنام كل هذه أفاضت عليه من التشاؤم المحزن والشك الرائع حلة فضفاضة خلابة أثرت في أيامها ومن بعدها أثرا عظيما في النفوس الكثيرة.
ونعثر بعدئذ على الخيام مرسل الرباعيات الشهيرة وصديق حسن بن الصباح الذي صار
فيما بعد شيخ الجبل ورئيس طائفة الحشاشين وصديق نظام الملك أيضا الذي غدا وزيرا لملك شاه - وتتمثل لنا حياته وصوفيته ووجهة نظره في الحياة وشكوكه في الآخرة فوصفه الخمرة. . . ثم نصل إلى حافظ وهذا أيضا من أصحاب الرباعيات؛ فسعدي وأمثالهما من فطاحل الشعراء الفرس الذين لهم في نفوس مواطنيهم وشعوب كثيرة حرمة عظيمة لما يكتنف أشعارهم من الجاذبية والجمال والسحر الحلال.
مما لا شك فيه أن عشاق الموسيقى الشرقية يهمهم هذا الفصل الذي يختم به الجزء الرابع ويجري موضوعه في هذا المسلك من الفن غذاء النفوس الساكنة الثائرة، ولا نظن أن لا نجد فيه شيئا طريفا. كلا! بل هو كسائر بدائع هذا الصرح تستنبطه آراء جديدة ونظريات لها ماهيتها عند أربابه مع كلمة عن جميع الكتب التي اختصت بالغناء والآلات الوترية.
الجزء الخامس
والآن هاهو ذا الجزء الخامس والأخير من العمل العظيم وبه تختم هذه السلسلة الملأى بالآراء والزاخرة بالفوائد التي تتدفق فيه تدفقا ويمتاز عن اخوته بما يتخلله من العصريات، فقد خصص معظمه بالبلاد الشرقية التي تلهبها النهضة