وتشهد شهادة جلية على تسنمهم غارب المعارف والعلوم القديمة ولعل الأمور التي نجهلها اليوم تحل معضلتها التنقيبات المقبلة.
وقد ظهر من التحريات الدقيقة إن شعبا غريبا أجتاح قاعدة بلادهم وحل محلهم وهذا الشعب
الفاتح لم يستتب له الأمر زمنا طويلا إذ غلب على أمره ودحر كما دحر السكان الأصليون قبله وقد كشفت لنا آثار الأنقاض إن كل أمة احتلت هذه المدينة وقوضت أركان من سبقها من الفاتحين شيدت لها مساكن على أطلال المباني الأولى فأصبحت هذه البقعة طبقات من المنازل موضونة الواحدة فوق الأخرى حتى أن المنقبين عثروا في تنقيباتهم على طبقات رقيقة دقيقة من الرماد أظهرت لهم إن غرف تلك البيوت كانت من الخشب وإن نارا عظيمة التهمتها فلم تبق منها ولم تذر ووقفوا أيضا على مدينة من طين وأخرى من صخر الخ وقد حفر الدكتور بنكس النقابة الأميركي بئرا عمقها نحو خمسين قدما في إحدى الروابي حتى بلغ أرض الردم على حقيقتها فوجد تحت الهيكل القائم على مسطح معقود بالآجر المسنم بناءا قديما جدا ولو تيسر له الأمر لحفر تحت ذلك البناء ولوجد مباني أخرى أقدم من المباني التي كشفها ووقف على عروضها فهذا ما تحققه وأقر به المؤرخون المدققون عن هذه المدينة قبل بضعة آلاف سنة من تاريخها.
ظهر الشمريون لأول مرة في العراق قبل المسيح بنحو أربعة آلاف سنة ولا نعرف على التحقيق متى حلوا في هذه الربوع لأن الآثار التي بين أيدينا لا تهدينا إلى بغيتنا بيد أن هذا الشعب كان أرقى الشعوب التي سبقته فاستوطنت بين النهرين وليس لدينا أنباء صحيحة عن الديار التي غادروها قبل أن ألقوا عصا ترحالهم في هذا القطر وكم من الأحقاب قضوا في التنقل من بلاد إلى بلاد أخرى تنقل أمة متحضرة وقد ذهب بعض علماء الآثار إلى إنهم أقبلوا من آسية الوسطى وكانوا أول من اتخذ الكتابة في مراسلاته ولأغراضه السياسية وأول من شوى الآجر وأتخذه مادة للبناء وقد حصنوا مدينة أدب بأبراج لما احتلوها وسوروها بسور عظيم متين من الآجر المسنم وبنوا فيها هيكلا وزينوه بتماثيل ملوكهم.
كان الشمريون منتشرين في كل صقع من أصقاع جنوبي العراق وكانت بسمى إحدى حواضرهم فبقايا آثار مدينتهم وجدت في أنقاض مدن كبيرة حتى