للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن الإنسان لا يصاب به إلا مرة واحدة في حياته ولذلك تراهم لا يخافونه ويتمنون لأطفالهم أن يصابوا به اعتقادا منهم أنه يكون أخف وطأة عند الصغار ويقال عن اعتقادهم أيضا (أن الذي لا يصاب به في هذه الدنيا يلاقيه في الآخرة) وأظن أن هذا القول مبالغ فيه. والذي تحققته بذاتي أنهم لا يتجنبون عدواه والتعرض للوقوع فيه.

ومن المعلوم أن هذا الداء وراثي ومكتسب أعني أنه ينتقل إلى الولد بالوراثة وينتقل أيضا إلى الغير بالعدوى وذلك بإتباع العادات السيئة التي تساعد انتقاله من شخص إلى آخر وأنت تعلم أن البدو يكرمون الضيف كل الإكرام ويطعمونه أولا ثم يأكلون بعده لكنهم يأكلون ما تبقى من الأكل الذي أكل منه الضيف ويتمششون العظام إذا كان هناك عظام ومن الماعون نفسه الذي أكل منه وبعده يشربون القهوة مع ضيوفهم في فنجان واحد وأحيانا في فنجانين فقط فكيف يتاح للبدوي المسكين المحيط به عدد عظيم من هؤلاء المصابين بالزهري أن يتجنب هذا الداء فضلا عن أنه يجهل ضرر هذه العادات فإذن لابد من الوقوع في الشرك.

فإذا استمرت هذه الحالة على هذا المنوال لا يمضي كثير من الوقت إلا يعم هذا الداء البدو جميعهم.

وهو منتشر أيضا بالصورة المذكورة في حضر العراق فهو منه أعم في المدن الكبيرة من البلدان الصغيرة ولا سيما العاصمة فانتشاره بين الشبيبة دليل واضح على توسيع نطاق سريانه. وهذا الداء من أهم المصائب التي تهدد المجتمع لأنه يفتك فتكا ذريعا في كل أعضاء الجسم فيدخل إلى الدماغ ويسبب جميع الأمراض العصبية والعقلية على اختلاف أنواعها وإلى العينين فيذهب بالبصر وإلى الأذنين فيعتريهما الطرش والصمم وإلى الحنجرة فيذهب بالصوت وإلى الخصيتين فيغدو الرجل عقيما وإلى الكليتين أو الكبد أو الرئتين فيحدث فيها أعراض تشبه داء السل في تطوراته وعلى كل حال هو أفظع الأمراض وأخطرها على أعضاء الألفة الاجتماعية ولاسيما أن إصابته الشبيبة أكثر من غيرها.

والطامة الكبرى هي انتشاره بين البدو والحضر على قياس واحد من باب

<<  <  ج: ص:  >  >>