للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الورود في لغات بعض القبائل فصارت (ما) فقول الأجانب (انفني) الممحو منه النهاية أو الغاية أو الآخر. هذا هو رأينا، وهذا الرأي يوجه الأداة الداخلة المذكورة أحسن توجيه.

أما اليوم فإذا أردنا أن نترجم ما يبتدئ بالأداة الداخلة الإفرنجية المذكورة فلا يجوز لنا إلا أن ننقله بقولنا اللانهاية أو اللاغاية له. أو أن نقول: غير منته. أما الوجه الأول فقد عرفه أجدادنا منذ أقدم العهد فقد قال عامر بن الظرب العدواني - وهو من خطباء الجاهلية -: أني أرى أموراً شتى وحتى، فقيل له: وما حتى؟ قال: حتى يرجع الميت حياً، ويعود (اللاشيء) شيئاً أه. ومن ذلك اصطلاحات فلاسفة العرب كقولهم: اللاأدرية واللانهاية واللادوام واللابقاء. وقد قال أبن عابدين بخصوص هذه (اللا) في كتابه (الفوائد العجيبة في أعراب الكلمات الغريبة) ما هذا نصه: (قولهم: هو كلا شيء ووجوده كلا وجود)، صارت (لا) مع ما بعدها كلمة واحدة واجري الأعراب على الآخر وعرفت باللام في مثل (اللآخر) وقيل: هو بمعنى (غير) إلا أن إعرابها ظهر ما بعدها لكونها على صورة الحرف، كما في (إلا) بمعنى (غير). انتهى كلامه.

فأنت ترى من هذا النقل أن تركيب (لا) مع غيرها من الكلم يصيرها في المعنى كالكلمة الواحدة المنحوتة ولأن هذا الضرب من النحت قديم في لغتنا من عهد الجاهلية - إذا كانت هذه الرواية التي نقلها صاحب العقد الفريد - صحيحة لا دس فيها ولا وضع ولا تزوير.

وهناك غير هذه الدواخل في لغات الأجانب ولجميعها وجه وتخريج في لغتنا اليعربية، مما

يطول تفصيله، وإنما أردنا الآن بهذا الإجمال إشارة إلى أن في لغتنا من النشاط والتجدد مالا مثيل له في سائر اللغات السامية والحامية واليافثية، فهي من أجمل اللغات وأطوعها لمبتدعات الفكر على أتساع أفقه في الخيال والمثال.

٤ - الكواسع

أما الكواسع فكنا قد عقدنا لها باباً واسعاً في السنة الرابعة من مجلتنا (٣٣: ٧ إلى ٤٤) فلتراجع.

<<  <  ج: ص:  >  >>