للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قسط عظيم بل شرارتها الأولى المنبعثة ما تتوقد به سورية من آمال وعواطف وأحاسيس عنيفة ملتهبة فأبناؤها كانوا الأوائل على

المدى حملة ألوية الشعر العربي ومعيار النبوغ فيه وبلاغته وسموه. وما أنوار هذه النهضة الباهرة إلا أثر من أثارهم الجليلة،؟ ونبعة من ابتكاراتهم. فهم أول من ابتعث فيه الحياة - وقد كاد يضمحل - في مختلف ألوانه وجاحد قولنا كر شروق النائرة صباح كل يوم. وقد شهد بضلعهم في العربية، الأوربيون جمعاء من بحثه وكتبه - ولا نقول علماء الاستشراق منهم - ممن نثروا شيئاً عن المشرق. كالكاتب الفحل لويس برتران مثلاً. إذ نعتهم في كتابه العظيم (سراب الشرق) بأنهم (ورثة الشعر العربي القديم) وقس على ذلك الكثير من الرواد الكتبة.

وكان القرن الخالي وفجر الحالي، ميداناً لتجلي هذه الموهبة إذ ظهرت الروايات التمثيلية العربية لأول مرة في سورية. وكان ابتداؤها بعناية المرحوم مارون نقاش اللبناني. ولكن نشوء التمثيل الجدي المفيد حين ظهر الحداد والجميل والمطران وسواهم وعكفوا على التأليف فكانت عطيل وتاجر البندقية والسيد وروميو وجوليت والسموأل الخ. وانكشف الميدان عن أفراس رهان.

أسعدت ديار سورية أن تختلج فيها هذه البادرة في القرن المحتضر، غير أنها ما عتمت أن انتقلت في عجزه إلى أرض النيل والهرم. أثر هجرة أحرار السوريين وتركهم وطنا تعساً عزيزاً، خيم عليه ديجور الظلم ورعته ذئاب النميمة الناهشة فنزحت مع أفئدتهم النابضة حياة وفتوة، وجنانهم النابع جرأة وابتكاراً نبعة الفن الجديد وروحة الحساس ثم ما لبثت أن عمت هذه الرغبة طائفة لا بأس بها من الكتاب السوريين والمصريين. فأتحفونا بشيء يتراوح بين الابتذال والإجادة وأنشئت الفرق التمثيلية وظهر في إشعاعها في القطر المصري المرحوم سلامة حجازي، أبي التمثيل العربي الغنائي. فراجت سوق الروايات ولما كان لا بد للنور من اسداف وإعتام. سنة الكون والوجود ظهر بينها ويا أسفاً! عدد ليس باليسير يدرن الأخلاق ويجرحن النفوس! ولمن تلبث أن امتلأت ديار مصر بهذه الحركة المباركة بل القدرة السعيدة نحو رفد الآداب العربية وتدعيمها بهذه الأسس التي كانت للإغريق والرومان، من أخلب وأحب

<<  <  ج: ص:  >  >>