للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يسعني إلا أن أقدم لك مثالاً ناطقاً في مناجاة أنطوان لروما وقد احتاط به اليأس فجبن وهمدت همته الحربية وخانته تلك الحميا التي كانت له وهو يخطب جماهير الرومانيين أمام جدث يوليوس قيصر. وقف ينظر إلى (أمه روما) وهو على قصوة منها فيتحسر على ملك ضاع وعز زال ومجد باد. ويعجبك هذا التعانق في العواطف النافضة المتباينة وتستهديك تلك الاستصراخات الحوار تكلها وتزينها ولا غرو أن انطوان في ساعة يأسه الحقيقية تتنازعه أمثال هذه العوامل اليائسة. وإلا ما لجأ إلى حكم الموت الفاصل. وأن الباحث النفساني في وقائع الانتحار يكشف كثيراً من نزعات مضطربة تجانسها في نبضاتها الهاتفة. فالمنتحر وهو يقدم على فعلته النكراء ترعاه سكرات متباينة يضع في تيارها ولجتها تعكس عليه النور ظلاماً ديجوراً قد لا يجد له منفذاً سوى شبابه وإلا ما انتحر:

روما حنانك واغفري لفتاك ... أواه منك! وآه ما اقساك!

روما سلام من طريد شارد ... في الأرض وطن نفسه لهلاك!

اليوم يلقي الموت لم يهتف به ... ناع ولا ضجت عليه بواكي

أن الذي أعطاك سلطان الثري ... لم تنعمي لرفاته بثراك

أن الذي بالأمس زنت جبينه ... بالغار، عقك جهده وعصاك

الأمهات قلوبهن رقيقة ... ما بال قلبك لم يلن لفتاك؟

أعرضت غضبي في الحياة فرحمة! ... لا تحرمني في الممات رضاك!

أن كان موتي كل ما تبغينه ... فهناك! هأنذا أموت هناك!

البقية للتالي

بركات (السودان): ميشيل سليم كميد

<<  <  ج: ص:  >  >>