للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عظيما في زاوية الخليج الفارسي يتخذه الفرس مسالح لهم، فلما وصلت الأخبار إلى عمر عن تقدم المسلمين: ولى عتبة بن غزوان تلك الأطراف

وأمره أن يتخذ فيها مصرا للمسلمين فكان أول ما شيده عتبة في هذه البقعة مسجدا من قصب مع دار إمارة ثم صار المسلمون ينشئون المنازل من القصب أيضاً حتى إذا غزوا محلا نزعوا القصب وحزموه حالا فإذا عادوا من الغزو سالمين آمنين أعادوا المنازل إلى ما كانت عليه. ثم صارت البيوت تشيد بعد ذلك بالحجارة الصلبة فكثرت العمارة وتقدمت وصارت البصرة من الحواضر المهمة التي قل أن تماثلها بلدة بحسن عمارتها وعظمة بنائها وبهائها. ولم يلبث الدهر طويلا حتى قلب لها ظهر المجن فجعلها آكاما ترى اليوم على بعد ثمانية أميال من مدينة البصرة الحالية التي انتقلت إليها العمارة بعد خراب الأولى.

ولقد حدثت في هذه البقعة حوادث مهمة عظيمة ففيها التقى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) والسيدة عائشة (رض) وكانت قد خرجت لقتاله وهي على ظهر جمل فعرفت تلك الواقعة بواقعة الجمل. وفيها أسرف الخوارج في الفساد واستباحوا المنكرات حتى هزمهم الأمويين شذر مذر. وفيها وقعت حروب أبكار وعون بين الفرس والعرب حتى دخلت في قبضة آل عثمان عام ٩٥١هـ وكان آخر أمرها في دهرنا أن احتلتها الجيوش البريطانية في غرة المحرم الحرام سنة ١٣٣٣ (٢٢ تشرين الثاني ١٩١٤) ثم انتقلت إلى الحكومة العراقية الحالية بعد ذلك وهي تعلو عن سطح البحر ثماني أقدام وتبعد عن جتوبي بغداد ٣٥٦ ميلا بالسكة الحديد التي أنشأتها الحكومة البريطانية أيام الاحتلال.

وفي هذه المدينة مبان جليلة وبيوت عامرة وجادات واسعة وخانات كثيرة ومساجد جميلة وفنادق أنيقة وحمامات منتظمة ومخازن تجارية مهمة ومدارس وكتاتيب عديدة وبساتين لا تحصى وجنائن لا تستقصي وغير ذلك من لوازم الحواضر الكبرى وهي تبعد عن ساحل شط العرب الأيمن بميل ونصف ميل في جهته الغربية وتقرب منها قصبة العشار الجميلة القاعدة على ضفة شط العرب اليمنى والتي هي اليوم بمثابة سوق للبصرة على رغم جسامة البصرة وكثرة جاداتها وبيوتها ومخازنها ونقاوة الهواء وعذوبة الماء فيها. وبين البصرة والعشار جادة

<<  <  ج: ص:  >  >>