(لغة العرب) لأبن سيدة كتاب جليل لم يؤلف مثله من سبقه ولا من تلاه أفاض عليه شيئاً من ذوب دماغه فجاء سفراً بديعاً يشهد له بعلو الكعب في لغة عدنان. ويقع في سبعة عشر جزءاً وأسمه المخصص. وهو معجم تذكر فيه الألفاظ المتشابهة المعنى أو المتشاركته فانك إذا بحثت فيه عن موضوع توخيته سرد لك كل ما يتعلق به أو يتصل فهو ديوان لغة ضروري لكل من يعالج اللغويات ومن الغريب أنك إذا فتشت فيه عن معنى (العبد) وما يتصل به لا ترى له أثراً وقد أتحفنا حضرة اللغوي (السيد سالم خليل رزق) المشهور بمباحثه العربية الدقيقة - بمقالة بديعة ترأب هذا الصدع في ديوان أبن سيدة المذكور. إلا أننا نأخذ عليه شيئين: أنه أستشهد بأبيات بعض المعاصرين والثاني أنه نقل عن (البستان)(أو أقرب الموارد) أو الألفاظ الكتابية (الذي عني بنشره الأب لويس شيخو) من غير أن يتثبت في صدق تلك المنقولات. ويظهر لك ذلك في موضعين ظهر لنا عيبهما ولعل هناك غير ما ذكرناه إذ لم يتسع لنا الوقت لتدبر ما في تلك الألفاظ من الزلق أو الزلل.
على أننا نشهد لصاحب المقال بتضلعه من اللغة وإحاطته بالموضوع إذ لم نجد في ما بأيدينا من التأليف من تعرض لهذا الموضوع وقتله خبراء فنشكر له هذه الهدية اللغوية باسم جميع المحققين المدقيين من الناطقين بالضاد.
بعد (ككرم) الرجل بعداً (كعلم) يبعد بعداً (كسبب) ضد قرب فهو بعيد وبعادو جمع بعيد بعداء. وكذلك أبعد وتر (كمد) عن بلاده تروراً، وأتن اتناناً، وسحق (كعلم) سحقاً (كسبب) وأسحق وانسحق ونأا (كغرا) ينأوا نأوا وناي (كرمي) فلانا وناي عنه يناي نأيا فهو ناء وهي نائية. قال الشاعر أحمد محرم:
طوى الأرض يدني ما ناي من فجاجها ... وأمعن في أقطارها يتوغل
وقال المنفلوطي:
وفي العصر بين الظل والماء غادة ... تميس بلا سكر وتناي بلا كبر