للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصفات المشهورين بها سكان المدن والحواضر كما أن سكان القرى والجبال يعرفون بالغلظة والجفاوة والخرق وثقل الخلق ولا جرم أن اصل (كيس: كيوس) على اللفظ اللاتيني. ثم وقع فيها الإدغام كما وقع في سائر الكلم المصوغة هذه الصيغة.

ومثل هتين الكلمتين ألفاظ جمة تدل على السلف جاوروا الأغراب وأخذوا منهم ومن آدابهم شيئاً غير يسير: ولما كان جودهم اشهر من وجود غيرهم أمدوهم هنا أيضاً بألفاظ لا تحصى فكان عطاؤهم على مجاوريهم فيضاً وكان عطاء غيرهم عليهم قيضاً وليست الغاية من هذا المقال أن نقفه على هذا الموضوع إنما نريد اليوم أن نوجه أنظار العلماء والباحثين إلى أمر لم يذكره أحد من اللغويين الأقدمين والعصريين الأغراب أو الأعراب.

وهذا الأمر عجيب غاية العجب. هو أن ألفاظ اللغة تقسم إلى أربعة أقسام جليلة: قسم الألفاظ العربية الخاصة بها التي لا يرى مثلها في اللغات السامية ولا في اللغات اليافثية أو الحامية - وقسم فيه ما يشبه في اللغات السامية دون غيرها - وقسم فيه ما يشبهه في اللغات اليافثية وحدها وقسم رابع فيه ما يشبهه في اللغات الحامية فقط.

أما أن يكون في لغتنا ألفاظ تضارع ما في سائر اللغات السامية فهذا أشهر من أن يكون وقد أنتبه له الأقدمون منذ عصور تدوين اللغة. وكذلك قل عن المشابهة التي ترى بين الكلم العربية والكلم الحامية (أي المصرية ونحوها) فمخالطة العرب لساكني وادي النيل قديمة لا تخفي على أحد فإذا أقتبس قوم شيئاً من قوم خالطوهم منذ أقدم الأزمنة فلا عجب أيضاً. أما أن في لساننا ألفاظا تماثل الألفاظ اليافثية أي الهندية الأوربية فهذا منتهى العجب. على أننا ذكرنا في مقالتنا التي نشرناها في السنة الماضية وأزعجت كثيرين من الشعوبيين وعنوانها (فضل العربية على سائر اللغات) (٧: ٥٩٣ إلى ٦٠٢) أن أجدادنا العرب اختلطوا مع أمم كثيرة في صعيد سقي البحر المتوسط في نحو الألف الثالث أو الثاني قبل المسيح (٧: ٥٩٨ و٥٩٩) ولهذا اقتبس منا الأجانب ألفاظاً كثيرة وفي تتبعاتنا لدقائق اللغة وجدنا كلمات مختلفة المبنى مؤتلفة المعنى فهي من

<<  <  ج: ص:  >  >>