حد التخليع إلى منزلة التقريب إلاَّ بعد الرياضة، وكان كالمهر الذي أطمع أول رياضته في تمام ثقافته. وقال الجمال: البليغ من أخذ بخطام كلامه، فأناخه في منزل المعنى، ثم جعل الاختصار له عقلا، والإيجاز له مجالا، فلم يند عن الأذهان، ولم يشذ عن الآذان. وقال المخنث: أحسن الكلام ما تكسرت أطرافه، وتثنت أعطافه، وكان لفظه حله (حلة)، ومعناه حلبه (حلية). وقال الخمار: أبلغ الكلام ما طبخته مراجل العلم، وضمنته دنان الحكمة، وصفاه راووق الفهم، فتمشت في المفاصل عذوبته. وفي الأفكار رقته، وفي العقول حدته. وقال الفقاعي: أطيب الكلام ما دوخت (دوحت؟) ألفاظه غباوة الشك، ودفعت دقته فظاظة الجهل، فطاب جشأ نظمه، وعذب مص جرعه. وقال الطبيب خير الكلام (ما) إذا باشر دواء بيانه سقم الشبهة استطلقت طبيعة الغباوة، فشفى من سوء التفهم، وأورث صحة التوهم. وقال الكحال: كما أن الرمد قذى الأبصار، فكذا الشبهة قذى البصائر، فاكحل عين اللكنة بميل البلاغة، واجل
رمض (رمص) الغفلة ببرود اليقظة، (قال ثم أجمعوا)(على) أن أبلغ الكلام ما إذا أشرقت شمسه انكسفت (انكشف) لبسه، وإذا صدقت أنواؤه، اخضرت احماؤه.
تم كلامهم بعون الله ومنه وتوفيقه، والصلوة على الهادي إلى أقوم طريقة، وعلى آله وأصحابه، سيما فاروقه وصديقه.
الدكتور داود الجلبي
(لغة العرب)
إننا نشكر حضرة الدكتور داود بك لجلبي على نشره رسالة الجاحظ، ولسائر الرسائل التي بعدها فهي من أنفس ما كتب في موضوع المصطلحات الصناعية، إلاَّ أن في بعض الألفاظ صعوبة عظيمة لمعرفتها حق المعرفة فلعل بعض القراء يساعدنا على تصحيحها فنشكر له يده سلفاً.