للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعمدوا الكذب، والتوليد على القدماء، لحرج ما أصابهم أو شهرة تطلبوها، والكذب والتوليد أن استحل يسيرهما، ارتكب كبيرهما.

وكثيراً ما اقر بعضهم بالكذب الذي كذبه، أو رجع عن الخطأ الذي أصر عليه تورعاً، وتدينا، وندماً، وتوبة، وقد عقد السيوطي باباً في مزهره لمن قال قولا ورجع عنه، قال البغدادي في ١: ٣٦ من خزانته: (روي أن أبا العباس المبرد ورد الدينور زائراً لعيسى بن ماهان، فأول ما دخل عليه وقضى سلامه قال له عيسى: أيها الشيخ، ما الشاة المجثمة التي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل لحمها؟ فقال: هي الشاة القليلة اللبن مثل اللجبة، فقال: هل من شاهد؟ قال نعم قول الراجز:

لم يبق من آل الحميد نسمه ... إلا عنيز لجبة مجثمه

فإذا الحاجب يستأذن لأبي حنيفة الدينوري، فلما دخل عليه قال: أيها الشيخ، ما الشاة المجثمة التي نهينا عن أكل لحمها؟ فقال: هي التي جثمت على ركبها وذبحت من خلف

قفاها، فقال: كيف تقول وهذا شيخ أهل العراق يقول: هي مثل اللجبة؟ وانشده الشعر. فقال أبو حنيفة: إيمان البيعة تلزمه إن كان هذا التفسير سمعه هذا الشيخ أو قرأه وان كان الشعر إلا لساعته هذه. فقال أبو العباس: صدق الشيخ، فأنني أنفت أن أرد عليك من العراق، وذكري ما قد شاع، فأول ما تسألني عنه لا اعرفه. فاستحسن منه هذا القرار). أهـ فالمبرد على بسطته في العلم، وتنسكه المشهور، اضطر إلى الكذب والتوليد، فكيف غيره؟ وهو القائل كما في (٢: ٢٠٣) من المزهر برواية أبي الحسن الأخفش عنه: (سمعت أبا العباس المبرد يقول: إن الذي يغلط ثم يرجع لا يعد ذلك خطأ. لأنه قد خرج منه برجوعه عنه، وإنما الخطأ البين الذي يصر على خطأه ولا يرجع عنه فذاك يعد كذاباً معلوناً) كذا والصواب: (ملعوناً) ولولا اعتقاده هذا ما رجع عن كذبته قي الشاة المجثمة.

وان كثرة اضطراب العلماء وتسرعهم في تقدير منازل أنفسهم، ودعواهم التبريز، جعلت بعضهم يؤلفون كتباً ينقض بعضها بعضاً، لغة، أو نحواً أو أخبارا فضلا عن أن بعضهم لم يتقن إلاَّ فن الجمع، والقرش، فجمع الغث والسمين

<<  <  ج: ص:  >  >>