فلما طالت وحدته استوحش؛ فلما استوحش فكر فلما فكر تولد من فكرته اهرمن، وهو ابليس، فلما مثل بين يديه أراد قتله، فلما أراد قتله امتنع، فصالحه إلى أجل معلوم، وأودعه إلى مدة مسماة، على أن لا يمتنع عليه إذا استوفى الاجل، وبلغ المدة، ثم أن اهر من نوى الغدر، وذلك لهيمنته فانشأ يخلق أصناف الشر، يستمد بها عليه، فلما عرف بذلك منه، أنشأ أصناف الخير، ليضع بازاء كل جند جنداً، وله بعد ذلك فضل قوته، وانه يسمى القديم دونه.
ثم قالوا في قسمة العوالم عندهم، وفي أسمائها وجواهرها، وهيئاتها، وفي خلق مهنه ومهينه وهو آدم وحواء، وفي لسومن المنتظر عندهم، ما لا يستطيع وصفه أحمق منقوص. ولا عالم تام، ولو جهد كل جهده، واستفرغ كل قوته.
قال الجاحظ: ووجه آخر يستدل به على قلة عناية الناس بأكثر (كذا، ولعلها بأمر) الدين وأن شأنهم تعظيم الرجال، والاستسلام للمنشأ، والذهاب مع العصبية والهوى، والرضا بالسائق إلى القلوب؛ واستثقال التمثيل، وبغض التحصيل، ما نجد من اعتقاد أكثر البصريين، وسوادهم، لتقديم عثمان بن عفان، ومن اعتقاد أكثر الكوفيين لتقديم علي بن أبي طالب (ع) ومن اعتقاد أكثر الشاميين لدين بني امية، وتعظيم عثمان، وحب بني مروان أهـ.
زنجان (إيران) في ٧ ربيع الآخر ١٣٤٨:
أبو عبد الله الزنجاني
(لغة العرب) تأخر نشر هذه المقالة لوقف الجزءين الأخيرين من هذا المجلة على الفهارس ولإتمام ما كان حضرة الدكتور داود بك الجلبي قد بعث به إلينا من رسائل الجاحظ.
فنطلب المعذرة من حضرة صديقنا الجليل الشيخ أبي عبد الله.