على عصر احدث. ويظهر ذلك أيضاً من الآجر المستطيل المسطح وكسر الجرار غير المصبوغة المصنوعة من خزف اثخن واخشن؛ وأما الآجر المطلي بدهان اخضر أو ازرق، والزجاج المصبوغ بألوان قوس قزح فيشهدان على احتلال الفرثيين أو الفرس.
وتأخذ المدينة المبنية باللبن بالخراب على الدوام ولو كانت آهلة بسكانها. وكانت العادة كما هي الآن إذا سقطت دار من الدور المشيدة باللبن أن يمهد موضع الخراب فيبنى فوقه بناء جديد. وفي اغلب الأحيان كان البناء الجديد يتبع خطة الجدران القديمة، ولاسيما إذا كان ذلك مسجداً؛ فتبجيلاً للإله لا يجري أي تغيير كان. وعليه حين يحفر الباحث عن الآثار
القديمة عن موضع قديم يعثر غالباً على بقايا عصور عديدة مبنية الواحد فوق الآخر، وتكون الطبقة السفلى هي القديمة عصراً. وعندما يزيح الطبقة الواحدة عن أختها ويدرسها، ينكشف تاريخ الموضع شيئاً فشيئاً. وهكذا يجري الباحث في عمله عند تنقيبه حتى يأتي إلى آخرها. وإذا كان هناك قطع عمودي واقعاً في تل مرتفع، فيدل ذلك بكل صراحة على نشوء مدينة وتعميرها الدائم في خلال أزمنة كثيرة. ويعرف كل زمن بما يمتاز به من الآجر وكسر الجرار التي تظهر في الطبقات المتتالية، وتكون الطبقة التي في الأعلى هي الحديثة عهداً؛ وأما الطبقة السفلى فربما ترجع إلى زمن فجر التاريخ.
القني القديمة
اضطر أهالي ارض الرافدين الأدنى، إلى أن يعتمدوا في كل زمن إلى الري لسقي حقولهم، وذلك لأن الأمطار تهبط بقلة، وحرارة القيظ شديدة يابسة، وحفرت القني في تلك الأصقاع منذ القدم - لاسيما في ضفة الفرات اليسرى - ونقلت هذه القني الماء إلى أقصى أراضي سهل شنعار، تلك الأراضي المتقومة من تربة غنية خصبة. وكان اعتماد الشمريين على السقي في نجاح زرعهم اعتماداً تاماً بحيث كانت كل دويلة مدن على أهبة الحرب في كل حين لمقاومة مجاوريها إذا تحرشوا بما يلزمها من الماء أو قطعوا الماء عنها بتاتاً. وعليه اصبح تاريخ شمر بالإجمال قصة تقص نجاحاً متعاقباً وسلطة متبادلة بين عدد من دويلات المدن المحاربة بعضها لبعض.