أخضر اللون) فيرشون عليها الماء، فيجد الساكن فيها لذة عجيبة، لأن الهواء يأتيه من منافذ العاقول بارداً نقياً، ولو كانت حرارة الشمس شديدة الوطأة. وفي الشتاء يرحلون من الأراضي الوطيئة إلى الأراضي المرتفعة، التي لاتصل إليها المياه، عند فيضان دجلة، فيكونون في مأمن من الغرق، ومع ذلك يكثر فيها النبات والعشب فتكون مرعى لحيواناتهم. - ويتخذون حينئذٍ لسكانهم بيوتاً من الشعر وزان (سبب) تقام على أعمدة من الخشب لا يتجاوز طولها مترين، تقيهم برد الشتاء. وهؤلاء بطبيعتهم هادئون، قليلو الغزو، لاشتغالهم بالزرع والحرث، وتربية المواشي، مما يغنيهم عن طرق أبواب السلب والنهب. وسمى ابن خلدون مثل هؤلاء البدو (أهل مدر). والقسم الأخر يعنون بتربية الاغنام، والابل، وسائر الأنعام، يتغذون بلبانها، ويتجرون بأصوافها، ويندر بينهم أن يستقروا بأرض واحدةٍ، بل دأبهم التنقل والارتحال ارتياداً للمنتجع. ولما كان الارتزاق من الأنعام ضيقاً، ومن طبيعة ضيق الرزق التنازع فيه رأيت دأب هؤلاء البدو الغارات، ونهب المواشي بعضهم لبعض.
٣ - أسماء القبائل وأخلاقها وعاداتها
العشائر القاطنة في ضفاف دجلة، بين بغداد وسامراء كثيرة، وهي مختلفة في مصيفها، ومشتاها، وانتجاعها، وافتلائها، وزروعها، واراضيها، بقدر ما هي متفقة الكلمة، ومربوطة
بعضها ببعضٍ بجامعة واحدةٍ. وهي الجامعة العربية بالوجه الاخص، والعثمانية بالوجه الأعم. وأما أخلاقهم فهي كأخلاق سائر العرب أي الكرم، والوفاء، وأداء الأمانة، وإكرام الضيف، والإباء، وحسن الجوار، وإعالة الفقير، والمدافعة عن الدخيل. ومن طبيعتهم الشجاعة، والأقدام، والثبات، والصبر على الملمات. ولهم عادات لا تزال مستحكمة فيهم منذ عصور الجاهلية، واطلاع غريب على خفيات الأمور، كالقيافة مثلاُ فانهم يزعمون أن الولد إذا ولدته أمه يجب أن يكون بين هيئته وهيئة أبيه تقارب في الهيكل، والشكل، والطول، والقصر. والقيافة علم يؤخذ بالحدس والتخمين، لا بالاستدلال واليقين، ولهذا يعتبر من شر العلوم،