للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يوم الريح بالخيوط الطوال الصلاب. (قلنا: هذا وصف الطيارة أم السنطور) قال فبات القوم يتوقعون نزول الملائكة، ويلاحظون السماء، وأبطأ عنهم حتى قام جل أهل اليمامة وقويت الريح فأرسلها.

وهم لا يرون الخيوط. والليل لا يبين عن صورة الرق وعن دقة الكاغد، وقد توهموا قبل ذلك الملائكة. فلما سمعوا ذلك ورأوه تصارخوا. وصاح: من صرف بصره ودخل بيته فهو أمن، فاصبح القوم وقد أطبقوا على نصرته والدفع عنه. انتهى المراد من الاستشهاد بكلامه.

ونقل ابن أبي الحديد، في مقام يذكر فيه الطيرة والفال وما ورد في ذلك من الحكايات التاريخية، هذا الحديث عن الجاحظ باختلاف يسير في التعبير.

أقول: ويظهر من هذا الكلام أن هذه اللعبة كانت تسمى عند العرب (براية الشادن). لأن اسمها عند الأعاجم يعني هذا المعنى تقريباً. فمعنى اللفظة الفرنسوية (الأيل أو الشادن الطائر) ومعنى الإنكليزية (الحدأة الطائرة) ومعنى الألمانية (راية التمساح أو التنين) ومعنى الإيطالية كمعنى الفرنسوية، ومعنى الأسبانية (المذنبة) وهكذا إلى سائر حروف اللغات. فضلا عن أن شاعر العرب أراد أن يصف الشيء باسمه المعهود عندهم كما وصف بيضة القارور وتوصيل المقصوص؛ وإلا لما فهموه، لوضعه ألفاظاً حديثة المعنى. وعليه، تكون (راية الشادن) عند عرب الجاهلية بمعنى (الطيارة) عند المحدثين من أبناء العرب.

ويظهر من ذلك أيضاً أن مسيلمة الكذاب لم يخترع هذه اللعبة، بل كانت معروفة عند العرب الذين لم يكونوا من قبيلة.

أما أول من اخترعها فهو القائد الصيني (هان سين - بمائتي سنة قبل ولادة المسيح، والذي حداه إلى ذلك أنه حوصر هو وجنده في مدينة فاتخذ هذه الوسيلة للمفاوضة مع جيش يأتي لإمداده.

<<  <  ج: ص:  >  >>