للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إذا البازل الكوماء ضنت برفدها ... ولاذت لواذاً بالمدرين بالسلم

فقد حان من أناس ورفدهم ... بكفي غلام، لا خلوف ولا برم

أنها تندب ابن أخيها كرزاً، تلك التي لم ترث بنيها بما يجب على أم والهة ثكلى - نعم! وان وجدت إلى الصبر والعزلة سبيلا لموتهم في نصرة الإسلام - فلها قلب الوالدة. وهل من والدة لا تبكي أولادها؟ فكيف حل لها أن تبكى كرزاً وتتناساهم؟ ألعلها نادبته لبنوته لصخر؟ لعمري أي الرواة نذاهب؟ ألست تشعر بوطأة القصاص بهذا الشعر، أو لست تشعر باضطراب وشك، إذ ينسبه بعضهم إلى العباس بن مرداس؟ إذاً نرفض نسبة هذه الأبيات. ولكن لماذا نرى ديوانها يكاد يكون جله أو كله في اخويها، بينما تخص زوجها وبنيها ببعض ساقط شعرها ومنبوذه. قد نجد بعض الرد المقنع عن زوجها، انه كان مقامراً متلافاً للارزاق، خسيساً فلذا لم ترثه، ولعلها حمدت الله على إفلاتها منه. أما بنوها والبنون من الوالدة في موضع الضعف والإحساس، ولاسيما في مثل شعور ورقة الخنساء - فلم لم تقم بواجبها نحوهم؟ هنا نجدنا أمام معضلة. فقد أثبت الرواة لها في أخويها. أبدع القصائد واطرب الأبيات، فهل كانت تكره أولادها؟ أولادها من هم فلذ كبدها. وقطعة من روحها حتى تجافت عن ذكرهم. هذا محال وبعيد الوقوع. إلا فما حضتهم على طلب الآخرة. ثم تشرفت بقتلهم! حقاً أن هنا لناحية تعنت، وسهو، وتخليط من الرواة في اختصاصهم رواية شعرها بأخويها، أم هناك تلاعب وغش كبير؟ الحالة تدعونا أن نشك حينما أدرنا الطرف. وفي شعر انتقيت، أحسست به اضطراباً ولو بشيء. هنا وقفة لا تقل عن سوابقها، غرابة وحظاً فاسداً. يحدثنا (أبن العربي) أن أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب أتاها يكفها عن العويل والبكاء. ولما أن سألها شعراً، قالت: (أما أني لا أنشدك مما قلت اليوم، ولكن أنشدك ما قلت الساعة). وأنشأت تقول:

سقى جدثاً أكفاف غمرة دونه ... من الغيث ديمات الربيع ووابله

أعيرهم سمعي إذ ذكر الأسى ... وفي القلب منه زفرة ما تزايله

وكنت أعير الدمع قبلك من بكى ... فأنت على من مات بعدك شاغله. . .

<<  <  ج: ص:  >  >>