للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

العربية المنتشرة في الديار العربية كمصر وفلسطين وسورية والعراق؟ بل المنتشرة في المدينة الواحدة من تلك الديار؟ وهل ترون أن سبب ذلك الاختلاف اختلاط العرب بالأعاجم على تباين عناصر. أم ماذا؟

ج. لهذا الاختلاف أسباب عديدة، منها اختلاف القبائل، إذ لكل منها ما يميزها عن سواها، أما بلفظ الحرف. وأما بلفظ الحركة، وأما باختلاف النبرة، أو بكلم خاصة بهم دون سواهم، وكل ذلك راجع إلى الاختلاط بأقوام أخر، أو إلى البيئة أو إلى الهواء، وقد تجتمع جميع تلك الأسباب فتزيد الفروق فروعاً إلى فروع آخر، إلى فروع لا تحصى.

وأما اختلاف لغة المدينة الواحدة باختلاف محلاتها أو جهاتها. فعائد إلى القبائل التي ينتسبون إليها. فقد يكون أصحاب الحي الواحد ينتمون إلى قبيلة وسكان الحي الآخر ينتمون إلى قبيلة ثانية. قال ياقوت في معجمه في مادة (الحيرة). . . في الحيرة من جميع القبائل من مذحج، وحمير، وطيئ، وكلب، وتميم، ونزل كثير من تنوخ الأنبار والحيرة إلى طف الفرات وغربيه. . .) وهكذا يقال عن كل محلة من محلات المدن العربية، بل لم تسم المحلة (حياً) إلاَّ لنزول (حي) من أحياء العرب جانباً من تلك المدينة. فما يسمى (محلة) في

بعض المدن، يسمى (حياً) في البعض الآخر.

وأما تأثير الهواء على اللغة فواضح من أن أصحاب البلاد الباردة كثيرو الحروف الصفيرية والشفوية واللسانية والاسلية. كأن البرد يمنعهم من فتح أفواههم وحلوقهم لينطقوا بالحروف الحلقية، أو كأنهم يخافون فتح أفواههم لئلا يدخل الهواء البارد حلوقهم فيتأذون منه، بخلاف أهل البلاد الحارة أو المعتدلة فانهم يمتازون بالتكلم الحلقية الحرف كالهاء والحاء والخاء والعين والغين.

وأما تأثير البيئة في المتكلم فواضح أيضاً من الحيوانات التي يسمع أصواتها فان الإبل تكاد تنطق بالعين نطقاً فصيحاً وكذلك الضأن، وهكذا قل عن سائر الحروف فأن بعض الحيوانات تمتاز بلفظ بعضها. ولهذا كثرت الحروف الحلقية في اللغات السامية وندرت أو عدمت في لغات سائر الأمم التي حرموا هذه الدواب الناطقة بحروف الحلق.

<<  <  ج: ص:  >  >>