لا نظن أن أحداً قسم تاريخ آداب اللغة في عصر العباسيين كما فعل المؤلف فأنه أجاد فيه فوق ما يتصوره القارئ، إذ فصل كل عصر بفاصل طبيعي كما نفصل الطبيعة بلاداً عن بلاد، بجبال عالية، أو بأنهر كبيرة، أو بأبحر بعيدة القرار. فكان تقسيمه هذا مما يتبعه كل عاقل منصف. وقد ساقه إلى ذلك ذكاؤه الغريب الذي خصه الله به فنحن نهنئه بهذه الهبة العظيمة ونتمنى له أن تتسع فيه كلما احسن التصرف بها.
من مزايا هذا الجزء انه ذكر آخر كل فصل أو مادة المصدر الذي اخذ عنه وهو أمر عظيم الشأن قل من يلتفت إليه. - ومنها أنه ذكر كتب المؤلفين ومحل وجودها أو طبعها أو ندرتها أو ضياعها وهو من الأمور التي يجعل لهذا السفر قدراً كبيراً جليلاً.
على أننا نرى:
١ - إهماله تاريخ سني الميلاد بجانب سني الهجرة الموافقة لها من الأمور الشائنة بهذا التصنيف الجليل لاحتياج اغلب الناس إلى معرفة هذا التاريخ.
٢ - في المقدمة التي يصدر بها كل عصر أو كل مادة علمية لا يذكر أسماء المناهل التي وردها، وهذه المواد كثيرة في الكتاب فكان ينبغي له أن لا يهمل هذا الأمر المهم. فقد قال مثلاً في ص ٣٣٥. . . فقد أحصوا أطباء بغداد وحدها في زمن المقتدر بالله في أول القرن الرابع للهجرة فبلغ عددهم ٨٦٠ طبيباً امتحنوا لنيل الأذن في التطبيب سوى من استغنى عن الامتحان لشهرته وسوى من كان في خدمة الخليفة. فلا يمكن أن يكون مجموع ذلك كله اقل من ألف طبيب متعاصرين في مدينة واحدة وبلغ عدد أطباء النصارى فقط في خدمة المتوكل بأواسط القرن الثالث للجرة ٥٦ طبيباً. وكان سيف الدولة إذا جلس على المائدة حضر معه ٢٤ طبيباً. اهـ فهلا ذكر أسماء الكتب التي اخذ عنها هذه الأقوال؟
٣ - في بعض الأبحاث إعادة وتكرير بدون فائدة جزيلة كما كرر في نحو نصف الصفحة ٤٣ ما قاله في آخر الصفحة ٤٢ وكرره للمرة الثالثة في تاريخ