إلا غرفتان أو ثلاث صالحة للسكنى والإقامة. أما بقية الغرف فيأوي إليها أعوان الشيخ وخدمه الذين كانوا يدافعون دفاع الأبطال عن رفقائهم إذا مست الحاجة إلى ذلك.
ثم لا يزال يسير وهو لا يلوي على شيء حتى يهبط موطناً ظل نخله ظليل فيه مجار وأقنية للسقي والماء يتدفق فيها كأنه الكوثر أو السلسبيل يجاورها آبار رائقة حولها أشجار أوراقها غضة وأطيارها شجية الغناء تنسيه الوعثاء وتفرج عن قلبه كل هم وعناء وتريحه بعض الراحة من مصاعب الطريق ووعورة مسالك (منامة) حتى أنه لا يتمالك من الطرب والسرور والانشراح والحبور فينشج قائلاً:
وارشفنا على ظمأٍ زلالاً ... ألذَّ من المدامة للنديم
يصدُّ الشمس أنىَّ واجهتنا ... فيحجبها وياذَنُ للنسيم
ثم أن الطريق يتعرج به ذات اليمين وذات الشمال ودليله جادة مغروسة أشجاراً تصعده تارة إلى أعالي التلال وإلى ركام جوامع تصفر فيها الأدهار وطوراً تهبط به إلى الحضيض ولا يزال كذلك في صعود وهبوط حتى يفضي به المسير إلى بقعة واسعة الأكناف فسيحة الأرجاء يشاهد فيها ردم (البلد القديم) وهي مدينة كانت في العصور السالفة عاصمة البحرين أما الآن فقد أصبحت بلقعاً ينعب فيها البوم والغربان ولا يقطن اخربتها المتبعثرة سوى بعض أجلاف السكان البائسين الذين يفترشون الغبراء