للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

على أن تاريخ سامراء ليس من الأمور المجهولة. فان ما أثبته مؤرخو العرب ووصافوا بلدانهم المعاصرون لزهوها وغضارتها كالطبري والبلاذري واليعقوبي وغيرهم لا يبقى ريباً في صدر المستريب. لا بل قد كتب اليعقوبي فصلاً نفيساً مفيداً للمسافر فائدة تشبه فائدة كتاب (بيدكر) اليوم ليطلع على ما يعثر عليه في تطوافه في سر من رأى وقد عقد هذا الفصل في مؤلفه الجليل (كتاب البلدان).

أما الأسباب التي حملت المعتصم بالله بن هارون الرشيد على بناء هذه المدينة الطائرة الشهرة فكانت سياسية ودينية معاً. فان الخليفة المذكور كان ينتصر للمعتزلة وأي انتصار حتى أن مسلمي بغداد لم يعودوا ينظرون إليه بالعين التي كانوا يرمقونه بها سابقاً. هذا فضلاً عن انه كان أول من انشأ جيشاً من الترك يتقوم من موالٍ (مماليك) اشتراهم النخاسون من أسواق تركستان وتخوم بلاد الصين حتى أوصل عددهم إلى ٧٠٠٠٠ رجل. وذلك بعد أن خلف أخاه المأمون على عرش العباسين في حاضرتهم.

على أن وجود مثل هذا الجيش في موطن لا يخلو من خطر ومن مناوشات بين أفراده وبين أهل البلدة. ولذا كانت تكثر الأحداث في الزوراء حتى تجري الدماء بين القبيلين. وكانت بغداد تمتد يومئذ من الكاظمية إلى مقبرة الشيخ معروف الكرخي. فلما رأى الخليفة أن لا سلام في دار السلام عقد نيته على بناء مدينة في الموضع الذي ترى اليوم سامراء. وفي هذه الحاضرة اخذ ظل الدولة العباسية يتقلص

<<  <  ج: ص:  >  >>