للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كالتي قال فيها واصفها:

لها مقلة كحلا وخد مورد ... كان أباها الظبي أو أمها مها.

فما يداهمك عندما ترى أول وهلة صاحبة تلك الصفات؟ أما يستفزك الشوق؟ فتقف على قدميك بقوة غريبة مدهشة وترى قوة كهربائية تجذبك نحو تلك المحاسن المسبوكة في تلك الذات اللطيفة وتنتظر منها أمراً كي تفدي نفسك دونها؟ الست بعد هذا الميل الغريب تتقدم وتساجلها بالكلام فتعرض عليها كل ما يهمها. فإذا كان جوابها: (تنح عني واتركني وشأني) وماذا يعنيك من أمري؟ فماذا يكون أثره عليك؟ ماذا يا ترى تكون احساساتك الأولى؟ أظن

انك تفقد نصفها وأما النصف الأخر فيبقيك جالساً على قدميك أمامها نصف ساعة وأنت تتأمل في وجهها وتراه عبوسا يضطرب من اقل كلمة وتظهر عليه هيئة الغضب في كل لحظة، تراها مفتخرة بنفسها متعجرفة خفيفة العقل متلاعبة جاهلة. . .

وإذا أوردت لها نوادر مضحكة وحكايات عقلية ترى وجهها (على حالته الأولى وفي سمته الأول) لا يتغير عما هو عليه فكأنه قطعة دم جامدة لا تتحرك أو صخرة صماء. وإذا ابتدأت أن تخبرك، ترى في أخبارها فتوراً أو برودة بل عدم تعقل لا بل قلة أدب. فماذا يكون من احساساتك عندما تشاهد ذلك؟ وما تظن بهذا الجمال الباهر العقول؟ وأظنك تفضل خروجها من رياضك على مكنها وأنت تنظر إليها فتشاهد بعد زمان عكس ما شعرت به أولا ومع ذلك فجمالها باق فما الذي غير حالك وجرح عواطفك؟ أظن الذي جرحك كونها خالية من الفضائل عارية من التربية.

صور نفسك مرة ثانية بهذه الرياض وتلك الأزاهير وهاتيك المياه والبساتين وقد وافتك فتاة أخرى إلا أنها بمنظر معتاد وتقدمت إليك بوجه هش بش خاضعة رأسها خافضة عينيها خجلا وحياء وكلمتك بصوت خافت وحديث مملوء من الرقة والعذوبة نظيفة الجسد والثياب لطيفة الحركات فصيحة المنطق موزونة الكلام أن سألتها أجابتك جواباً يشف عن المعاني الرقيقة فماذا تكون احساساتك عند ذلك؟ لا اشك أن تلك الشواعر المضطربة والعواطف

<<  <  ج: ص:  >  >>