للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على أن فضلهم يبدو كل البدو بل كالشمس في رائعة النهار، إذا ما نظرنا إلى ما أتاه العباسيون من جلائل المآثر لتدون اللغة وجميع علومها العربية، ترجمة الأسفار الأعجمية، واتخاذ كل ما يسير بها وبأهلها سيراً حثيثاً إلى بلوغ ابعد شأوٍ في العمران والحضارة والتبسط فيهما.

وما زال الأمر على تقدم ونجاح حتى عصر المأمون، فان العربية وعلومها بلغت في عهده مناط العيوق، ثم وقفت حيناً من الزمن كأنها تكبدت سماءها، ومن بعده أخذت بالانحدار المتئد متبعة سنة الشروق والغروب. - ولما سقطت بغداد على يد هولاكو، غربت شمس العربية وعلومها، وخبت انوارها، وادلهمت دياجير الجهل، وتلبدت سماء العراق بالسحب المكفهرة، أو أن شئت فقل: أصيب العلم وذووه ورافعو ألويته بداهية لم تضارعها داهية في سابق تاريخها أهوت بهم إلى قعر الذل والهوان، بل إلى أقصى دركات الخمول والجمود.

وهل تخال أن النوائب وقفت عند ذاك الحد؟ - كلا، فأنها سارت في وجهها صارعة أم العراق وبناتها وبنياتها، كإنها تحاول التشفي من ترقيها السابق، والانتقام من تقدمها الحثيث حتى إنها لم تبق لكان هذه الديار المنكوبة الأهم التخلص من دوائرها، والإفلات من سطواتها وفتكاتها.

نعم اشتهر بعد ذلك جماعة من أهل العلم والأدب والفضل والكتابة

<<  <  ج: ص:  >  >>