شبيهة بالبئر منحوتة نحتا بسيطا تتصل حافاتها بجوانب الطرق الأربع فلا بد للسالك وقتئذٍ من أن يتعداها طفراً. على أن بعضها لا يمكن تعديها طفراً لعرض فمها. وأن عزم السالك على عبورها فلا حيلة له سوى التثبت عند وضع رجله على حافتها لأنها ملساء وليس فيها موضع يضع الإنسان فيه قدمه. - وقد سقط أحد أصحابنا في إحداها ولولا حضورنا لتعسر عليه الخروج آنئذٍ - أما عمق تلك الحفر فيختلف إذ يبلغ عمق بعضها قامة وبعضها دون القامة بنصف ذراع وبعضها أعلى من القامة واعمق ما فيها يبلغ بين ٢ و٣ أمتار لا غير وقد القينا في الحفر العميقة منها حجارة لنعلم ما في قعرها فسمعناها وقعت على كسر أحجار (رضم) ولم نجد فيها ماء البتة بخلاف ما روي لنا أن في بعضها ماء فتحققنا أن الخبر ليس كالخبر.
ثم مررنا في تلك الطرق المتفرعة ذات اليمين وذات الشمال وكلما سلكنا طريقاً منها وجدنا فيها طرقاً أخرى تتفرع منها فنسلكها ونترك تلك الطريق الأولى وإذا صدنا حائط ينتهي إليه طريقنا رجعنا القهقري وسلكنا الطريق الأولى التي ذكرناها آنفا.
أما عرض الطرق وسعتها وكيفية وضعها فبعضها لا يمكن السلوك فيها إلا حبواً كما يحبو الطفل لقرب سمائها من أرضها وبعضها لا يسلك فيها الماشي إلا كالراكع في الصلاة أو كالمنحني انحناء بحيث تقف البيضة على ظهره وبعضها يرتفع بعلو القامة أو ما يقرب من القامة ولم نجد فيها أعلى من القامة إلا قليلاً - وبعضها لا يمكنك أن تمشي فيها والطريق أمامك ولكن تمشي مجانباً (صفحاً) ويكون وجهك أمام الجدار.
أما تحتها فهو بسيط جداً يظنه الرائي لأول وهلة نحتاً طبيعياً لخلوه من دقة الصناعة والهندسة وفي كثير من أرضها وجدرانها وسقوفها سلوع (شقوق أو فطور) طبيعية تدخل
فيها يد الإنسان وأرضها وجدرانها وسقوفها غير مستوية وكلها مضلعة (مركنة أي ذات أركان بارزة) إلا بعض السقوف (وهي قليلة) فأنها مقوسة ولم نشاهد فيها أثر كتابة أو نقوش وأن كان ثم شيء منها فلا يمكن الاهتداء إليه لأن جميع الجدران والسقوف مغشاة ببول الخفاش وتعسر أزالته أو كشطه بدون آلة واعتناء في مدة مديدة ولم نسمع فيها أيضا سوى وطوطة الخفاش وقد شاهدنا في أثناء الطريق عظام حيوانات غير مفترسة. وبعد مسافة