للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأشلاء والدماء والسجن والتغريم؛ ولكننا نعلم أن زماننا أملكُ بأحوالنا، وأن أحوالنا أشبهُ ببعضها من الغراب بالغراب، فلا نستنكر على مَن فرض الدستور أن يفرض رجاله، ولا على من ضيّق نصوصه أن يضيّق مجاله، ولا على من استعمل الإكراه في الدين، أن يستعمل الإكراه في الدنيا؛ وقبل النيابة كانت الإمامة، وقبل جحا كان أبو دلامة، ولعلّكم تعلمون ما ورد في من أمّ قومًا وهم له كارهون، وعلى الائتمام به مكرهون ...

إن هذا كله لا يمنعنا من تأدية ما في ذممنا من واجب النصيحة. فاذكروا قبل كل شيء أن "الأصوات" التي وصلتم بها إلى هذه المقاعد هي أصوات إخوانكم المسلمين. تقولون إنها جاءت عفوًا من غير ظلم، وتقول الحقيقة إنها كانت عدْوًا بغير علم. وليست أصواتَ اليهود والإسبان، والفرنسيين والطليان، فكل جنس ألزم طائرَه في عنقه؛ ولو أن أحب الناس فيكم، وأحوجهم إليكم، وأعظمهم مصلحةً في وجودكم، أراد أن يرفعكم على أعناق غير أمّتكم لما استطاع، ولو استطاع لما سمحتْ نفسه بذلك، لأنكم- وأمّتكم معكم- أحطّ قدرًا في نظره من ذلك، فاذكروا حقوق أمّتكم عليكم في النهايات، إن لم تذكروها في البدايات، واذكروها في النتائج وإن أغفلتموها في المقدّمات، واذكروها عند اقتسام المصالح لعلّها تغفر لكم بعض السيّئات.

...

إن دينكم ودين أمّتكم الإسلام، وقد عدَتْ عليه عوادي الاستعمار، فابتلع أوقافه، واحتكر التصرّف في مساجده ورجاله، وتسامح مع الأديان كلها فبت حبلها من حباله إلا مع الإسلام، وقد طالبت الأمّة بفصل دينها عن الحكومة كما انفصلت الأديان، وبتسليم مساجدها وأوقافها إلى يدها لأنها أحقّ بتسييرها والتصرف فيها، ولأن الإسلام نفسه يوجب عليها ذلك، كما طالبت بفصل القضاء الإسلامي- وهو جزء من دينها- عن القضاء الفرنسي، لأنه لا يتحاكم إليه إلا المسلمون فيما هو من خصائصهم، كما طالبت بحريّة الحج لأنه ركن من أركان دينها لا تتمكّن من إقامته على وجهه إلا إذا كان مطلقًا من القيود.

طالبت الأمّة بهذا الأصل الذي هو "الفصل" وبجميع فروعه المذكورة، وألحّت في الطلب، واختارت المناسبات، واستعملت الوسائل، فما كانت تلقى إلا الآذان الصمّاء، والوعود الجوفاء، إلى أن فرض عليها "دستور الجزائر"، فجاء بمادة صريحة في فصل الإسلام عن الحكومة الجزائرية، وكان النص على ذلك صريحًا لا يقبل التأويل، ووكل تنفيذ ذلك إلى المجلس الجزائري، ونحن نعلم أن هذه القضية ستعرض على المجلس، وأنه صاحب الاختصاص فيها، والمسؤولية عنها، وأن الحكومة ستريدكم على إبقاء ما كان على ما كان،

<<  <  ج: ص:  >  >>