للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المعهد الباديسي *

الأعمال الكبيرة إذا توزعتها الأيدي، وتقاسمتها الهمم- هان حملها وخف ثقلها، وإن بلغت في العظم ما بلغت، والمعهد الباديسى من هذه الأعمال الكبيرة، ويزيد في عظمه أنه في وطن صفر من المال، وأقفر من الرجال، وتعطلت فيه الهمم والذمم، وعقمت أرضه فخلا بطنها من الذخائر، وظهرها من الأخاير، وبعد عهده بالعظائم والمآثر، وخلت صفحاته الأخيرة من الأعاظم والأكابر، ويزيد في عظمته وجلاله أنه وليد نهضة لا تستند إلى حكومة ولا تأوي إلى ركن مالي شديد، فنشأ حرًا طليقًا من القيود العائقة، والمنن المكدرة، يستند على أفضال من الله لا مطففة ولا مغبونة، وعلى هبات من الأمة لا مكدرة ولا ممنونة، وعلى همم من رجال جمعية العلماء لا مقصرة ولا وانية، ومن ورائه ومن أمامه مثبطات من الظلم، تعوق، وكأنها تشوق، وتعد المنايا، وكأنها تعد الأماني.

يقوم هذا العمل الجليل، أو الحمل الثقيل على دعائم من الرأي، وقوامه الإدارة، ومن العلم، وملاكه التعليم، ومن المال، ومساكه الأمة، وتتوقف حياته على بقاء هذه الدعائم متساوقة في الغرض، متساوية في الآداء، متماسكة في الحمل، فإذا اختل منها عامل في العمل، أو قصرت أداة في الأداء- اختل التوازن وسرى التعطيل إلى بقية الأجزاء.

...

قام المعهد في سنتيه الأوليين على الأخ الأستاذ الشيخ العربي التبسي فيما يرجع إلى الإدارة والتسيير، وهما الوصفان المقومان لروح المعهد، وما سواهما الجسد، فطوى مراحل كثيرة من التقدم في مرحلتين، والأستاذ التبسي كما يعرفه الناس- مثل شرود في صحة


* "البصائر"، العدد ١٣١، السنة الثالثة من السلسلة الثانية، ١٨ سبتمبر ١٩٥٠م.

<<  <  ج: ص:  >  >>