للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وظيفة علماء الدين *

[- ١ -]

لا توجد في الإسلام "وظيفة" أشرف قدرًا، وأسمى منزلة، وأرحب أفقًا، وأثقل تبعة، وأوثق عهدًا، وأعظم أجرًا عند الله، من وظيفة العالم الديني! ذلك لأنه وارث لمقام النبوّة وآخذ بأهم تكاليفها وهو الدعوة إلى الله وتوجيه خلقه إليه وتزكيتهم وتعليمهم وترويضهم على الحق حتى يفهموه ويقبلوه، ثم يعملوا به ويعملوا له.

فالعالم، بمفهومه الديني في الإسلام، قائد ميدانه النفوس، وسلاحه الكتاب والسنّة وتفسيرهما العملي من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وفعل أصحابه، وعونه الأكبر على الانتصار في هذا الميدان أن ينسى نفسه ويذوب في المعاني السامية التي جاء بها الإسلام، وأن يطرح حظوظها وشهواتها من الاعتبار، وأن يكون حظه من ميراث النبوّة أن يزكي ويعلم وأن يقول الحق بلسانه ويحققه بجوارحه، وأن ينصره إذا خذله الناس، وأن يجاهد في سبيله بكل ما آتاه الله من قوّة.

أما الوسيلة الكبرى في نجاحه في هذه القيادة فهي أن يبدأ بنفسه في نقطة الأمر والنهي فلا يأمر بشيء مما أمر به الله ورسوله حتى يكون أول فاعل له، ولا ينهى عن شيء مما نهى الله ورسوله عنه حتى يكون أول تارك له ... كل ذلك ليأخذ عنه الناس بالقدوة والتأسي أكثر مما يأخذون عنه بوساطة الأقوال المجرّدة والنصوص اللفظية، لأن تلاوة الأقوال والنصوص لا تعدو أن تكون تبليغًا، والتبليغ لا يستلزم الاتّباع، ولا يثمر الاهتداء ضربة لازم ولا يعدو أن يكون تذكيرًا للناسي وتبكيتًا للقاسي، وتنبيهًا للخامل، وتعليمًا للجاهل وإيقاظًا للخامل وتحريكًا للجامد ودلالة للضال ... أما جر الناس إلى الهداية بكيفية تشبه الإلزام فهو في التفسيرات العملية التي كان المرشد الأول يأتي بها في تربيته لأصحابه، فيعلمهم بأعماله،


* مجلة "المنهل"، محرم ١٣٧٢هـ / أكتوبر ١٩٥٢م، جدة.

<<  <  ج: ص:  >  >>