للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مدارس جمعية العلماء *

نجوم متألقة في ليل الجزائر الحالك، منها الكبيرةُ ومنها الصغيرةُ؛ ولكل واحدة حظها من اللألاء والإشراق، وقسطها من الإضاءة لجانب من جوانب هذا الوطن الذي طال في الجهل ليله، وأقام بالأمية ويله.

حياةُ الأمم في هذا العصر بالمدارس، ما في هذا شك، إلا في قلوب ران عليها الجهل، وغان عليها الفساد؛ ونفوس ختم عليها الضلال، وضرب على مشاعرها المسخ، وطال عليها الأمد في الرق، فصدئت منها البصائر، وعميت الأبصار، فتغير نظرها في الحياة ووسائلها؛ فرضيتْ بالدون، ولاذت بالسكون.

الحياة بالعلم، والمدرسة منبع العلم، ومشرَع العرفان، وطريق الهداية إلى الحياة الشريفة؛ فمن طلب هذا النوع من الحياة من غير طريق العلم زل، ومن التمس الهدايةَ إليه من غيرها ضل؛ وحياة الأمم التي نراها ونعاشرها شاهد صدق على ذلك.

تبني الأممُ ما تبني من القصور، وتشيد ما تشيد من المصانع، وتنسق ما تنسق من الحدائق، وتحف ذلك كله بالسور المنيع، فإذا ذلك كله مدينة ضخمة جميلة، ولكنها بغير المدرسة عقد بلا واسطة، أو جسم بلا قلب؛ وإذا ذلك كله إرواء للغرائز الحيوانية، وإرْضاء للعواطف الدنيا بالمتع واللذّات، والتباهي وطلب الذكر؛ أما إرْواء العقل والروح، وإرضاء الميول الصاعدة بهما إلى الأفق الأعلى، فالتمسهما في المدرسة لا في القصر ولا في المصنع، ولو تباهت الأبنية المشيدةُ بغاياتها، وتفاخرتْ بمعانيها لأسكتت المدرسةُ كل منافس.


* نشرت في العدد ٩٣ من جريدة «البصائر»، ٣١ أكتوبر سنة ١٩٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>