للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جهاد الجزائر وطغيان فرنسا *

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

أيها الإخوان:

أما الجزائر فقد أعربت عن نفسها بالأعمال الخالدة التي قامت بها ثورتها، وبالبطولات المجيدة التي قام بها شبابها الثائر، وبما أحيت من شرائع الجهاد، وبما سجلت من المواقف الخارقة للعادة من وقوف العدد القليل من أبنائها- بما يملكون من سلاح يدوي قليل لا يغني فتيلًا في مجرى العادة- في وجه جيش يفوقه أضعافًا مضاعفة في العدد والعدة والسلاح والنظام والتدريب، تسانده جميع الأسلحة العصرية الفتاكة من طائرات ودبابات، ومدافع ثقيلة ووسائل مخابرات، وقادة باشروا الحروب الاستعمارية، وقادوها في عدة ميادين في الشرق والغرب، وتمرّنوا على أساليبها ومكائدها، يستمدّون لوازم الحرب من سلاح وعتاد ومال من مصانع بلادهم وخزائنها، فلا يُرَدُّ لهم طلب ولا يتأخر عنهم إمْداد، وتعاونهم دول قوية تشفق على الاستعمار أن يتقلص ظله، كأنّ لها متعة ولذة في إذلال الشعوب الضعيفة واستعبادها، وكأن في نفسها بقية حياء تمنعها من مباشرة ذلك الإذْلال والاستعباد بنفسها، فهي لذلك تعين من يباشره بكل ما تملك من قوة.

أعربت الجزائر عن نفسها بذلك كله، وأثبت التاريخ بشواهده أنها لا تحارب فرنسا وحدها، وإنما تحارب كل من يُمِدُّها بتأييد في الرأي والسياسة ويعينها بالمال والسلاح، وكفى الجزائر شرفًا أنها- مع ضعفها- تحارب هؤلاء الأعداء الأقوياء المتظاهرين فتنتصر عليهم أجمعين، وأنها مرّت بها حقبة غير قصيرة وهي تحاربهم بنفس سلاحهم الذي غنمته من الجيوش الفرنسية، وكفى أمريكا وانجلترا خزيًا وعارًا وبُعْدًا عن الإنسانية أنهما تعينان القوي على الضعيف.


* كلمة ألقاها الإمام يوم ١٥ مارس ١٩٥٨م، ضمن فعاليات يوم تضامني مع الجهاد الجزائري، أقامه لفيف من الأدباء في القاهرة، وقد نشرت ضمن كتاب "مع الجزائر"، دار الهناء للطباعة والنشر، القا هرة ١٩٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>