للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التعليم العربي والحكومة *

- ١ -

كلُّ الوسائل التي تتذرعّ بها حكومة الجزائر لمقاومة التعليم العربي هي: إما قوانين أصدرها مجلس الأمّة في فرنسا في أوقات مختلفة، ولأسباب متنوّعة، وإما قرارات إدارية فردية، مصدرها الجزائر، ومبناها على إيعازات بوليسية، توجبها الروح الاستعمارية، والنوع الأول غالبه عام مطلق، يشمل كل تعليم حرّ لم تباشره الحكومة، بأية لغة كان، ومن أية جمعية صدر، والثاني خاص بنا معشر المسلمين، مصبوبٌ علينا وحدَنا، موضوع بالقصد المباشر للتضييق على لغتنا وديننا، وقد كثر هذا النوع وتوالد، حتى أصبح بعضه ينسي بعضه عند المنفذين، مع اجتهادهم وحرصهم، وكلما زادت الأمّة إقبالًا على تعلّم لغتها ودينها، زادت الحكومة في القيد تضييقًا، حتى لو أنها نفّذت تلك القرارات بحذافيرها لما بقي في الجزائر من يكتب حرف هجاء عربيًّا، ولكنها تضع القرارات وتسكت، لتكون عند تنفيذها قديمة عتيقة، ومن (صنع الأوائل)؛ والعتق أصل من أصول الحسن والاستكرام، وصنع الأوائل موضع للاعتبار والاحترام.

كلا النوعين شرٌّ على التعليم العربي وبلاء وإرهاق وتضييق، أما القرارات فإنها لم توضع إلا لذاك. ولم تركب موادّها إلا للإهلاك، لأنها صادرة عن نفوس متشبعة بالاستعمار القاتم، حتى إن الدولة المؤقتة التي تشكلت بالجزائر سنة ١٩٤٣ لم تنسنا- وهي في أشدّ أوقاتها ضيقًا وحرجًا- فزادت في حبل تلك القرارات طاقة، ليس للمدارس بها طاقة، وأما القوانين فإن شارعها وواضعها لم يراع فيها وضعية الأمّة الجزائرية ولا موضع تعليم العربية من دينها، ولا نشكّ في أنه لم يتصوّر ذلك في ذهنه، ولم يخطر له على بال، وإنما لاحظ حين الوضع- شأن المشرعين وواضعي القوانين- الحالة الغالبة، وهي حالة أمّته الفرنسية،


* نُشرت في العدد ٦٥ من جريدة «البصائر»، ٣١ جانفي سنة ١٩٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>