للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى أبنائنا المعلمين الأحرار *

أيها الأبناء البررة!

وصفناكم- في العدد الخاص بالمدارس- بما أنتم أهله، وذكرناكم- ذكركم الله في الملإ الأعلى- بالخير والجميل، وأرسلنا إليكم تلك التحية الأبوية الخالصة صادرةً عن قلب يكن لكم الحب والتقدير والشفقة، راجين أن يكون رجع التحية منكم واجبًا يؤدى على أكمل وجوهه، وعملًا يحقق على أحسن حالاته، وغايةً توصَل بأسبابها من أقرب الطرق، وبأنفع الوسائل، لا كلامًا يذهب مع الريح، ولا قشورًا من الأعمال تضيع الوقت، وتبعد الغاية، ولا أنينًا من الشكوى والتسخط يذهب بالصبر ويوهن العزيمة، وهما حلية الأبطال.

ها أنتم هؤلاء تبوأتم من مدارسكم ميادين جهاد، فاحرصوا على أن يكون كل واحد منكم بطل ميدان، وها أنتم هؤلاء خلفتم مرابطة الثغور من سلفكم الذين حموا الدين والدنيا، ووقفوا أنفسهم لإحدى خطتين: الدفاع المجيد، أو موت الشهيد، فاحذروا أن تؤتى أمتكم من ثغرة يقوم على حراستها واحد منكم، فيجلب العار والهزيمة لجميعكم، واعلموا أنكم عاملون، فمسؤولون عن أعمالكم، فمجزيُّون عنها من الله ومن الأمة ومن التاريخ ومن الجيل الذي تقومون على تربيته كيلًا بكيل، ووزنًا بوزن.

إننا- يا أبنائي- كنا أوّل من نام، وآخر من استيقظ، فمن الحزم أن لا نقطع الوقت في العتاب والملام، والحرب بالكلام، فإن ذلك إطالة للمرض، وزيادة في البلاء على المريض، ومن الحزم أن نتحاسب على الدقائق، إذا تحاسب غيرنا على الساعات، وعلى الأيام إذا تحاسب غيرنا على الأعوام.

إنّ وراءَنا من الزمن سائقًا عنيفًا، وإنّ معنا من العصر وروحه زاجرًا مخيفًا، وإن أمامنا


* نشرت في العدد ٩٤ من جريدة «البصائر»، ٧ نوفمبر سنة ١٩٤٩

<<  <  ج: ص:  >  >>