للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منزلة الأدب في الحياة *

هدرت شقاشق أبنائي أدباء الجزائر العزيزة ثم قرّت، في موضوع لم أستطع أن أسمّيه أدبًا، إنما أسمّيه تلاومًا على الركود والسكون الذي عمّ الجزائر كلها في السنة الماضية باستثنأء حركة التعليم التي يقوم بها المعلمون حيّاهم الله عني، وحركة التنظيم التي تقوم بها لجنة التعليم العليا جزاها الله عني خيرًا، ومن ورائها المكتب الدائم لجمعية العلماء بارك الله فيه.

شغل الأدباء وقتًا طويلًا وملأوا صحائف من «البصائر» في ذلك التلاوم، أو في جذب وشدّ بين العتاب والعذر، وكنتُ أقرأ وأتتبعّ وأقول: هي حركةٌ أقلّ صفاتها أنها خير من الركود، وانتظر حتّى تجف الشعاب وتفرغ الجعاب، ولا أقول إني لم أشأ أن أكدر صفوهم، بل أقول إنّي لم أشأ أن أصفّي كدرهم، لأن تنازع الحبل صيّر الموضوع قضية تحتاج إلى حكم، وأنا ذلك الحكَم، ولا آتّهم أبنائي بأن يبلغ بهم العقوق إلى أن لا يرتضوا حكومتي، أو يهتبلون غيبتي، فينفضون عيبتي، ويلعنون شيبتي: أعتقد أنني أكرم عليهم من ذلك.

كان أبناؤنا الأدباء فريقين: فريقًا لوامين، وفريقًا معتذرين، واللوّامون يبنون أمرهم على أن الأدباء في الجزائر ساكتون لا ينطقون وخاملون لا يُنتجون، وكان الأوجه الأشبه أن يلاموا على أنهم ناقصون لا يُكمِلون وكسالى لا يقرأون، وقانعون لا يدرسون، وأن خير ما زيّن به امرؤ نفسه الإنصاف، وأن من الإنصاف أن نقول إن الأدب عندنا في الجزائر لم يكمل ولم يزل بينه وبين الكمال مراحل، والذي عندنا إنما هو استعداد للأدب ولكنه بدون أدوات، فهو يعتمد على المواهب التي وزّعها الله على عباده وجعل حظوظهم منها متفاوتة،


* مسودة مقال بدأه الإمام المرحوم ولم يتممه، مساهمة في النقاش الطويل العريض الذي ملأ صفحات «البصائر» من نوفمبر ١٩٥٢ إلى الأشهر الأول من سنة ١٩٥٣ حول الأدب الجزائري وقضاياه، لذا نعتقد أن هذه المسودة كتبت في بداية سنة ٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>