للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التعليم العربي والحكومة *

- ٥ -

يرجع تاريخ هذه المشادّة القائمة بيننا وبين الحكومة في قضية التعليم العربي إلى خمس عشرة سنة، فهي مقارنة لظهور جمعية العلماء تقريبًا، ولكنها تشتد وتتعقّد في كل سنة، تبعًا لنمو الحركة الإصلاحية واستفحالها وتطوّرها، فكلما اشتدّت حركة التعليم وامتدّت، ظهر للحكومة فيها رأي فسنّت لشلّها قانونًا أو قرارًا. وسكتت عن تنفيذه إلى حين؛ كما كانت متسامحة مع الجمعية لأوّل ظهورها، في إلقاء دروس التذكير في المساجد؛ فلما استفحل ذلك ورأت أنه مضرّ بسياستها الاستعمارية، وأنه تحنيثٌ لها في اليمين الذي قطعته على نفسها: لتحاربن الإسلام في الجزائر، ولتحصرنه في مثل جحر الضبّ من الضيق، ولتقطعن صلته بماضيه وصلته بمطلعه، حتى يتكون لها إسلام جزائري جغرافي محصور في حدود أربعة، خال من روحانية الإسلام وفضائله، لما رأتْ ذلك أصدرت القرارات بمنع أعضاء الجمعية من إلقاء الدروس الدينية في المساجد، وقصر إلقاء الدروس في المساجد على الموظفين الرسميين، أو "رجال الدين" كما يسمّيهم تقريرها الأخير، فمنعت كاتبَ هذه السطور من إلقاء دروس التفسير بالجامع الأعظم من تلمسان، ببرقية من الوالي العام إلى عامل وهران، وكان ذلك في أواخر سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة؛ ثم منعت الأستاذ العقبي من إلقاء دروسه بمساجد العاصمة بقرار (ميشال) المعروف.

ابتدأت المشادّة من ذلك الحين، وكانت في مبدإ أمرها مشادّةً في حرية المساجد، لأن الحركة التعليمية نشأت بعد ذلك، بعد أن تغلغلت دعوةُ جمعية العلماء في النفوس فحرّكتها، وفي الآذان ففتحتها؛ فأنت ترى أن تاريخ المشادّة طويل، وأن هذه القوانين والقرارات كان يتنزّل بها الوحي الاستعماري منجمة حسب المصالح ...


* نُشرت في العدد ٦٩ من جريدة «البصائر»، ٢٨ فيفري سنة ١٩٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>