للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كلهم من تلامذة جمعية العلماء وجنودها الحاملين لفكرتها، وبلغ ما تنفقه الأمة سنويًا على هذه المدارس في أجور المعلّمين وغيرها خمسة وسبعين مليونًا من الفرنكات.

مع هذا الجهد العظيم الذي تبذله جمعية العلماء والأمة من ورائها في التعليم العربي، ومع أن حركة بناء المدارس كل سنة في ازدياد، فإنها لم تستوعب إلا جزءًا من ثلاثين جزءًا من أطفال الجزائر المحرومين من التعليم، وما زال في الجزائر مليون ونصف مليون من أطفال الأمة العربية المسلمة مشرّدين في الشوارع محرومين من التعليم العربي والفرنسي معًا. ومع ذلك ترفع فرنسا صوتها بأنها معلّمة العالم، ثم تشعوذ على إخواننا الشرقيين الذين لم يعرفوا دخائلها بمثل هذه المزاعم، ويصدّقها بعض الضعفاء وهي في دعوة التعليم أكذب من سجاح في دعوى النبوّة.

خامسًا- المعهد الباديسي:

هذا العدد الذي ذكرناه من المدارس كله ابتدائي، ولكن التعليم فيه متين لأنه عمل العقل والإخلاص والمنافسة لعدو حقود، حتى أن التعليم الابتدائي في مدارس الجمعية يساوي في نتائجه العملية نصف التعليم الثانوي في المدارس التي تبني أمرها على الرسميات وتعد نتائج الامتحان بالنقط ... وهذا هو القدر الذي اتّسع له حال الجمعية وهي في نهاية العقد الثاني من عمرها، وتطلبته حالة الأمة وهي في الخطوة الأولى من نهضتها. لكن حب العلم والتطلعّ إلى غاياته أحدث في عشرات الآلاف من حملة الشهادات الابتدائية الذين أخرجتهم مدارس الجمعية، أحدث فيهم ثورة عليها وإلحاحًا يطلبون الانتقال بهم إلى التعليم الثانوي، ورأت الجمعية أن تبريد هذه الرغبة في نفوس أبناء الأمة الناشئين يعد إجرامًا في حقّهم وفي حق اللغة التي أصبحوا يدينون بها وفي حق الإسلام الذي تفتّحت نفوسهم على حقائقه.

فماذا تصنع هذه الجمعية والموارد المالية محدودة، والأمة فقيرة، والتعليم الثانوي يكلّف أموالًا وفيرة، والرجال الذين يقومون بتعليمه مفقودون؟

هنا العقبة ... وهنا الموقف الذي يجب على إخواننا العرب شعوبًا وحكومات أن ينقذونا منه ... هنا نظرت الجمعية إلى الداخل وإلى الخارج.

أما الداخل فقد دعت الأمة إلى أن تخطو هذه الخطوة الجريئة وأن تضع البذرة الأولى لهذا الغرس الجديد، فاستجابت الأمة، فأقدمت الجمعية على إنشاء معهد ثانوي ذي خمس سنوات، وهو "المعهد الباديسي" بمدينة قسنطينة، منبع الثقافة الإسلامية في القطر كله، وأطلقت عليه اسم إمام النهضة المرحوم الشيخ الإمام عبد الحميد بن باديس.

<<  <  ج: ص:  >  >>