للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دروس الوعظ والإرشاد في رمضان *

يجب لليالي شهر رمضان المبارك أن تكون حية عند المسلمين لا بما هم عليه من السهرات الوقحة، واللهو الماجن، والشهوات القاتلة، فإن هذا النوع من الإحياء هو - في حقيقته- إماتة لحكمة الصوم وقتل لسرّه وخيره، ومحو لروحانياته وآثاره النافعة.

وقد جاء الأمر بإحياء ليالي رمضان، وهو لا يختص بالتهجد، وإنما يشمل النافع بالمنطوق، والأنفع بمفهوم الأولوية، ومن الأنفع الذي لا يتمارى فيه للمسلمين في هذا العصر إحياء ليالي هذا الشهر بمجالس التذكير العامة ودروس الوعظ والإرشاد، بشرط أن تكون المجالس جدية موقظة، والدروس حية محيية، ولن تكون كذلك إلا إذا كانت مدارسة لكتاب الله ولسنة نبيّه في المواضيع المتصلة بحياة الأمّة الدينية والدنيوية، وتعميرًا لنفوس المسلمين بالخير الذي يفيض منهما، وتقريبًا لما تباعد بينهم وبينهما.

هذا هو الإحياء الحقيقي الذي هو أكثر نفعًا وأجزل عائدة، وأقرب من مراد الشارع وحكمته، فإذا وفق المسلم إلى إحياء بقية الليل أو جزء منه بالتهجد والتلاوة، فقد جمع له الخير من طرفيه، وجاء بالحسنيين في قرن.

جرت جمعية العلماء- منذ أعوام- على سُنَّة حميدة جعلتها من صميم أعمالها، وهي إحياء ليالي هذا الشهر بدروس الوعظ والتذكير في الحديث والتفسير، في مجامع المسلمين ومدارسهم ونواديهم بل وفي ديارهم، ولو كانت المساجد حرّة كما يريد الإسلام لانتهت هذه السنة إلى غايتها، وأتت بكل ما هو محقق لها من النتائج، ولظهرت آثار ذلك جليّة في أقوال المسلمين بالصدق، وفي أعمالهم بالتوفيق، وفي حركاتهم بالنجاح، وفي آرائهم بالتسديد، ولكنها- مع ذلك- لم تخل من آثار صالحة في نفوس الجمهور الذي يحضرها ولغشاها.


* "البصائر"، العدد ٨٦، السنة الثانية من السلسلة الثانية، ١١ جويلية ١٩٤٩م.

<<  <  ج: ص:  >  >>